واهم من لا يدرك أننا جميعاً في معتقلات ومعازل كبيرة حتى لو كانت رحبة ومرفهة فكلنا أسرى، لكن بعضنا مكبل في زنازين وخلف قضبان وبعضنا الآخر قادر على الحركة ولكن محدودة!.

لن ننعم بالأمان، فيما الاحتلال الإسرائيلي يسعر نيران محارقه، ويعمل على تحويل أجساد إخوتنا وأبنائنا الأسرى والأسيرات إلى رماد ولكن على هيئة إنسان، ففي زنازين المعتقلات الإسرائيلية يقتل المناضل بالأمراض تارة، والتعذيب النفسي، والحرمان من الحقوق، أما التنكيل بكرامته كإنسان، بغية إكراهه على الكفر بالمبادئ الوطنية فهو السلاح الأشد فتكًا الذي يستخدمه عنصريون متمردون على قيم وقوانين الإنسانية.

تناضل قيادتنا السياسية وتعمل باقتدار وفق منظومة القوانين الدولية، على وضع ملف الأسرى على طاولات المنظمات الأممية المعنية كمحكمة الجنايات الدولية، مجلس حقوق الإنسان، فالرئيس محمود عباس يجسد الضمير الجمعي الوطني للشعب الفلسطيني، عندما ربط حرية المناضلين من زنازين المحتلين بأي تقدم في العملية السياسية مع سلطة الاحتلال، إذ قال: "نجدد العهد بأننا لن نوقع على أي اتفاق سلام نهائي بدون مقاتلي الحرية ".

وعندما تمسك بالوفاء لحقوق الأسرى وذوي الشهداء مهما كان الثمن، وعندما قال إنّ قضية الأسرى والشهداء والجرحى "خط أحمر لن نقبل المساومة أو التفاوض عليها، مهما كان الثمن". ثم قال: "إن الشهداء والأسرى أقدس ما لدينا". وبهذا الموقف علم أصحاب الخطة الاستعمارية الجديدة (صفقة القرن) أن حرية الأسرى والوفاء بالتزاماتنا نحوهم ونحو ذوي الشهداء مبدأ وجزء من عقيدتنا الوطنية وثقافتنا الروحية، لا تقوى على إخضاعنا ودفعنا للكفر به أو الردة عنه قوة في هذا العالم حتى لو متنا جوعى. فللحرية عندنا قداسة، كقداسة الحياة الكريمة في كنف الاستقلال والسيادة في دولة حرة ، فالحرية هي أثمن وأعظم هدف نناضل لتحقيقه.

لقد انطلقت حركة التحرر الوطنية الفلسطينية لهدف تحرير الأرض وتحرير الإنسان، وخاضت معارك غير مسبوقة لتحرير الأسرى، وشهد تاريخ الثورة الفلسطينية عمليات نوعية لتبادل وتحرير الأسرى، ومازال الطريق أمامنا طويلاً وشاقاً، يتطلب منا التفافاً شعبياً منظماً وفعاليات ضاغطة على الاحتلال والاستيطان، بالتوازي مع تصعيد في المعركة الدبلوماسية والسياسية في ميدان المجتمع الدولي لكشف حقائق ووقائع (محارقه) في المعتقلات.

بإمكاننا صنع مشهد وطني وحدوي حقيقي تلو الآخر حتى تحرير آخر أسير من معتقلات الاحتلال الاسرائيلي، وهذا يتطلب توقف المنشغلين بتأليف الهراء السياسي، واصطناع المكاسب الفئوية وتحديداً في قضية تحرير الأسرى، والكف عن العزف عليها لإطراب الذات الحزبية الفئوية، وكسب أرقام جماهيرية فقط، فهذه العقلية لن تساعدنا في تحرير انسان مادامت سائدة كحواجز على درب تحرير الأسرى.

نستطيع الاستقواء بقدرة الشعب الفلسطيني على المضي نحو الانتصار لقضاياه الوطنية بإرادة لا تلين، والارتكاز على القوانين والشرائع الدولية الكافلة لحقوق المناضلين من أجل الحرية، فنحن كلما عززنا مكانة فلسطين كدولة في المنظمات الأممية الدولية اقتربنا أكثر من هدف تحريرالأسرى، بعد أن أصبح العالم على يقين أن قضيتهم ثابت وطني، وأننا نرهن حريتنا بِحريتهم، ونربط استقرار المنطقة والسلام فيها بحرية شعبنا كله بما فيه الأسرى، وباستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وبالسيادة على حدودها، والإقرار بحقوق اللاجئين وعودتهم وفق القرارات الدولية.

الحرية أقدس من النظريات والشعارات الحزبية وإحياء نفس إنسان وتحريره  قضية لا تحتمل التنظير، فاللحظة في زنزانة المستعمرين الغزاة العنصريين تساوي من الآلام التي لا يدركها إلا الذي دفع الثمن فعلاً، وبما أننا جميعاً أسرى مع اختلاف درجات المعاناة، فإن ضمائرنا تناشدنا الامتناع عن تقديم أولويات رفاهيتنا في هذا المعتقل الكبير، على أولوية تحقيق بشرى الحرية للأسرى، التي لا بد منها ليكون لحريتنا معنى، فحرير الاحتلال حرام علينا حتى لو كان أرخص من الورق.