غمس ريشته بألوان الأحقاد المزمنة، وأحاسيس العنصرية جسدها برسم كاريكاتيري "ظنًا" منه يضحكنا، فإذا به بعد ثلاثين عامًا بايقاظ الفتنة يثير الصدمة فينا.

كاريكاتير غير مبرر ومكرر في صحيفة الجمهورية اللبنانية يحض على الكراهية والعنصرية، يصور الرسام فيه ذكرى الحرب الأهلية التي وقعت في الثالث عشر من نيسان 1975 على إنها جريمة فلسطينية اختزلها بفدائي يعتمر الكوفية ليعود ويشبهها بفيروس كورونا عام 2020، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال عن الجهة التي يمكن ان تقدم في لبنان بعد على إثارة مشاعر الحرب وويلاتها على نحو فيه من التحريض ما يكفي على اللبنانيين كما الفلسطينيين.

الكاريكاتير لاقى موجة كبيرة من الاستنكار اللبناني والفلسطيني الذي طالب الصحيفة بالاعتذار عما بدر في كاريكاتير رسامها، إلا أن الأخيرة إكتفت بالتبرير والتوضيح على نحو بينت فيه أن نشر الكاريكاتير لا ينطلق من أي أبعاد ولا من خلفية نكء جراح الماضي أو استهداف العلاقات اللبنانية - الفلسطينية أو الإساءة إليها وفي الوقت عينه رفعت مسؤوليتها عن المنشور باعتباره لا يعبر لا من قريب ولا من بعيد عن توجهها إنما عن رأي الفنان الذي تعتبر إنه لم يكن يقصد أي إهانة أو استهداف أو تجريح.

توضيح فيه من التناقض ما يكفي ولا يشفي ولكن، إذا كان من أحد تخوله نفسه نبش قبور الحرب وذكرياتها الأليمة وقبل اجتزائها بكاريكاتير ساقط سياسيًا واجتماعيًا فليستحضر كافة أسبابها بموضوعية وعلى رأسها الطائفية البغضاء التي وضعت أسس النظام السياسي الحالي الذي يرأسه أمراء الحرب الذين نأتي على ذكرهم في كل مناسبة تطرق جدران الطائفية من جديد  فهل أمراء الحرب هم الضحايا الفلسطينيون في بوسطة عين الرمانة؟ أم آلاف الضحايا الذين سقطوا في مجزرة صبرا وشاتيلا من الفلسطينيين واللبنانيين؟ أم أهل المخيمات الذين يفتقدون الى أبسط الحقوق الإنسانية في الدولة اللبنانية بعد إثنين وسبعين عامًا على ترحيلهم ويعاملون حتى يومنا هذا كأجانب محرومين من حق العمل والسكن اللائق والضمان الصحي والاجتماعي والتعليم الرسمي .. وتحت حجج التوطين التي لا ترقى إلى المنطق؟ أم ياسر عرفات الذي ترك لبنان تحت الضغط الأميركي الذي استهدف حماية اسرائيل ليس إلا، ليتم بعدها الهجوم على شعبه في المخيمات بأبشع جرائم الحرب التي ارتكبت في التاريخ الإنساني؟

 لقد استبعد من الكاريكاتير المسلح اللبناني التابع لاحدى الميليشيات اللبنانية المتعددة يومذاك وصوب الرسم على الفدائي الفلسطيني "بكوفيته" في محاولة للدفاع عن مقولة حرب الآخرين على ارض لبنان.

الكوفية التي تعود إلى أيام الألفة والبساطة وضعها الفلسطينيون وهم يزرعون في أرضهم لتقيهم حر الصيف وبرد الشتاء على نحو الحطة التي لبسها أجدادنا في لبنان، وجد فيها الفلسطينيون وسيلة لإخفاء وجوههم أثناء مقاومتهم للاحتلالات المتعاقبة منذ ثورة 1936 ضد الحكم البريطاني، فارتبط إسمها بالكفاح الوطني والنضال ضد العدو، ما يعني، ان الكوفية مثلت رمزًا من رموز الثورة الفلسطينية الخالدة حتى يومنا الذي نشهد فيه أخطر عملية تصفية لحقوق الشعب الفلسطيني.

رجل الثورة والنضال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رفع كوفيته في المحافل الدولية حتى اقترنت بقضية وطنه العادلة، حين كانت فيروسات البشرية في عالمنا تهدد مطلبه بتحرير فلسطين ونيلها استقلالها، وماذا طلب أبو عمار من هذا العالم غير الحياة الكريمة لشعبه والاعتراف بحقه على أرضه بعد دحر المحتل عنها!

الفلسطيني لم يكن فيروسًا على أي ارض انما كان ضحية فيروسات البشرية التي لم تعترف بقضيته المحقة على ارض اغتصبت وشعبها اضطهد وتم ترحيله من بلاده على مرأى العالم، وبعضه إلى لبنان بحكم التقارب الجغرافي، وبالتالي هو لا يتحمل لا من قريب ولا من بعيد مسؤولية شتاته إليه.

إنه لحق.. يبقى الكورونا الفيروس 2020 الذي تغلبه الفيروسات البشرية، والكوفية الامثولة التاريخية في العزة والكرامة الوطنية.