أمس حاولت تسليط الضوء على ادعاءات ومبالغات دايان عن دور إسرائيل وجيشها الصغير في تحقيق "المعجزات". لكني شعرت أن ذلك لا يخدم فكرة عرض المذكرات، لأن هناك جانبًا مهمًا، ومطلوب تسليط الضوء عليه، وهو الاعتراف ولو الجزئي أو غير الكامل، بمكانة ودور الجيوش العربية والثورة الفلسطينية في تحقيق إنجازات مهمة، أرغمته ومن معه من قادة إسرائيل على الاعتراف بها. وعليه ارتأيت تعميق وتوسيع القراءة لمذكرات وزير الحرب.
كنت في مقالة أمس بِعنوان "مذكرات دايان الغائية" توقفت في النقطة التاسعة عند أثر ودور القوى المتعاونة مع إسرائيل بِشكلٍ سريع في معارك إسرائيل مع الفلسطينيين خصوصًا والعرب عمومًا، وهو ما كان موشي دايان أكد عليه، وأبرز أهمية دور بعض الشخصيات المحلية والاقليمية المتعاونة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية في تحقيق أهدافها السياسية. ولم أعط هذه النقطة حقها. لذا أرى ضرورة التأكيد على أن هذه الخاصرة الضعيفة والرخوة كانت من بين العوامل الأساسية في معادلة الصراع، التي خدمت المشروع الصهيوني، وقبله المشروع الرأسمالي الغربي تاريخيًا في الوطن العربي. وما كان يمكن للغرب، ولا للحركة الصهيونية سابقًا، ولا في أي زمان تحقيق أهدافها، والفوز بِحروبها، التي خاضتها ضد الشعب الفلسطيني والجيوش العربية في الأعوام 1948 و1956 و1967 ولا في غيرها.
عاشرًا، رغم الغرور والغطرسة الإسرائيلية عمومًا، وإبراز موشي دايان الدور الشخصي والذاتي الإسرائيلي في تحقيق إنجازات مهمة واستراتيجية في الحروب مع العرب جميعًا، حيث يلاحظ القارئ أن وزير الحرب بين الفينة والأخرى، يشير إلى الفارق الشاسع بين عدد سكان دولة الاستعمار الإسرائيلية، وبين مئات ملايين العرب، والفرق بين عدد الجيوش وأسلحتها، وبين الجيش الإسرائيلي والقدرات المحدودة، وكما أشرت أمس، كان دائم الشكوى من عدم تلبية الدول الغربية الطلبات الإسرائيلية بالسرعة المطلوبة، فضلاً عن "الضغوط" التي كانوا يفرضونها عليها. ومع ذلك يعترف رغمًا عنه بجدارة الجندي والضابط العربي في حرب اكتوبر 1973. ويؤكد أنهم قاتلوا قتالاً مريرًا، وكبدوا جيشه الصهيوني خسائر فادحة. ويحيل نقاط الضعف للخطط، ولكيفية إدارة المعارك من قبل الهيئات القيادية العسكرية والقيادات السياسية العليا، وليس لجبن أو نقص الاستعداد لدى الجنود والضباط العرب في كل من الجبهتين المصرية والسورية.
حادي عشر، أيضًا في إطار عرضه للصعوبات والإرباكات الناجمة عن حرب العام 1967، بعد أن اعتقد ومعه قادة إسرائيل، أن ورقة استسلام العرب باتت قاب قوسين أو أدنى، تفاجأوا ببروز عاملين رئيسيين الأول ما ذكره دايان كاستخلاص في ص 412 بالقول "تحدد موقف مصر بالنسبة لإسرائيل بعد انتهاء حرب الأيام الستة مباشرة عندما أعلن المصريون ثقتهم بعبد الناصر. رغم ما لحق بجيشهم من هزيمة، فقد خرج عشرات الألوف (الحقيقة مئات الألوف أو عشرات الملايين) في مظاهرات في الشوارع تطالب عبد الناصر بسحب استقالته، التي قدمها، وكانت هذه المظاهرات بمثابة تعبير الأمة المصرية عن أنها لم تنكسر". وهذه النقطة لم يستخلصها حتى اليوم قادة إسرائيل، ولم يتعلموا الدرس، وهو أن من الجائز أن تهزم الجيوش العربية بفعل الدعم غير المسبوق من الغرب لدولة إسرائيل، ولكن لا يمكن للأمة العربية أن تنكسر. والثاني بروز عامل الثورة الفلسطينية المعاصرة وظاهرتها العلنية.
ورغم أنه حرص على التقليل من حرب الكرامة المجيدة في 21 آذار /مارس 1968، غير أنه اعترف بأنها معركة هزمت فيها قواته المجتاحة والمتوغلة للضفة الشرقية، وأكد أن الجيش الأردني مع الفدائيين تمكنوا من إيقاع خسائر فادحة في قواته، واعترف بترك الدبابات والمدرعات في أرض المعركة، وسقوط قتلى وجرحى بأعداد تجاوزت حرب الأيام الستة.
كما أشار لدور الفدائيين بِشكلٍ خاص في ما بعد العام 1970، والعمليات البطولية، التي نفذوها في الجليل الأعلى (آسف امس كتبت أن مستعمرة انحلال "وليس ناهلال" تقع في الجليل الأعلى، وهي مع مستعمرة "داغانيا" في الجليل الأسفل بالقرب من الناصرة) ومن العمليات التي أشار لها، عمليتان هما: كيريات شمونة ومعالوت، وكلا العمليتين حصلت تقريبًا خلال شهر، الأولى في 11 إبريل / نيسان والثانية في 15 مايو/ أيار من عام 1974، وتركتا ندوبًا قوية في ذاكرته، وحاول أن يقفز عن السلسلة الطويلة، ويختزل دور العمليات الفدائية والثورة عمومًا. لكنه أقر في النتيجة أن الثورة الفلسطينية لعبت دورًا مهمًا في أزمة إسرائيل، لأنها تعبر عن الشعب الفلسطيني.
ثاني عشر، من القضايا التي توقف عندها دايان اهتمامه بالآثار. وأشار إلى أنه كاد يفقد حياته وهو يحاول السطو على الآثار، والمتاجرة بها. ولم يقتصر الأمر عند حدود التجارة، إنما كان يهدف إلى تأكيد الحضور اليهودي تاريخيًا في أرض فلسطين. ومع أن علماء الآثار أكدوا عدم وجود أيّة آثار لليهود في فلسطين، إلا أن لص الآثار كان يشير دومًا إلى ارتباط الآثار، التي يعثر عليها بالوجود اليهودي؟! وهذا إسقاط رغائبي لا أساس له من الصحة. هناك قضايا أخرى يمكن الحديث عنها. لكن أكتفي بما عرضت.
ملاحظة، امس وقعت في خطأ استخدام اسم فؤاد بدل ديفيد بن اليعازر، مع أن اسم فؤاد يعود لبنيامين بن إليعازر العراقي العربي الأصل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها