تقرير: عماد فريج

في تجاوز جديد للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، التي تؤكد جميعها أن "القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967"، نشرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرا من 106 صفحات، بشأن أوضاع "حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة"، أسقط صفة "الفلسطيني" عن أبناء شعبنا في القدس المحتلة، واستبدل الكلمة بـ"المقيمين العرب"، أو "السكان غير الإسرائيليين."

التقرير الذي يأتي ضمن سلسلة من التقارير لمختلف دول العالم، ألحق "الضفة الغربية وقطاع غزة" بـ"إسرائيل"، وجرى دمجهما بتقرير واحد، ما يعكس الانحياز التام للإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب للاحتلال الإسرائيلي.

ذات التقرير، في نسخته قبل عامين، أسقط مصطلح "الأراضي المحتلة" عن الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي العام الماضي، أسقط مصطلح "الأراضي المحتلة" عن "هضبة الجولان" المحتلة، معتبرا أن هذه "مناطق تقع تحت السيطرة الإسرائيلية"، مع العلم أن التقارير السابقة التي بدأت بالصدور منذ 44 عاما، استمرت في وصف هذه الأراضي بـ"المحتلة".

وزعمت الإدارة الأميركية، أنها "ترسي مبدأ الالتزام بالحقيقة والوقائع على الأرض، وأن التعريف الجديد يعكس الواقع في القدس كما هو لأنه لا توجد دولة فلسـطينية وأن السكان العرب في القدس ليسوا مواطنيها أيضاً".

"هذه محاولة أخرى فاشلة من قبل الإدارة الأميركية لتطبيق ما يسمى بصفقة القرن الميتة، المرفوضة فلسطينيا وعربيا ودوليا"، عقّب الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة على ما ورد في التقرير.

وأضاف: "ان أية محاولة لتزييف التاريخ والحقيقة لن تعطي الشرعية لأحد، ولن تغير تاريخ الشعب الفلسطيني المقدسي".

وتابع أبو ردينة "إن استمرار الإدارة الأميركية بهذه المحاولات اليائسة لن تجلب السلام والأمن والاستقرار لأحد، ولن تنال من عزيمة الشعب الفلسطيني وقيادته، القادرين على إفشال هذه المؤامرة كما أفشلوا كل المؤامرات السابقة التي حاولت تصفية قضيتنا الوطنية".

أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، قال: "نحن فلسطينيون، عرب، مسيحيون ومسلمون، نحن أبناء وبنات القدس، القدس عاصمتنا وبيتنا".

وأضاف: "تغيير الاسم من سكان فلسطينيين الى سكان عرب، وكل ما تقوم به الإدارة الأميركية بتبني رواية الاحتلال وسياساته الهادفة إلى الضم والفصل العنصري (الابرتهايد)، هو محاولة يائسة لنزع الوجود والهوية الفلسطينية عن القدس".

وتابع: "إنه ليس مجرد تهديد لنظام عالمي قائم على القانون، ولكن للمنطق والأخلاق".

الخبير في القانون الدولي حنا عيسى، قال إن ما ورد في هذا التقرير يتماهى مع قانون القومية العنصري الذي اعتبر أن القدس مدينة يهودية، وإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن القدس ذات طابع يهودي، وما جاء في صفقة القرن أن القدس عاصمة لليهود دون سواهم، في محاولة لنفي الطابع العربي الفلسطيني، المسيحي والإسلامي، عن المدينة.

وأكد عيسى أن التقرير يتناقض كليا مع قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية، وبالأخص قراري مجلس الأمن 242 و338، اللذين نصّا على أن القدس الشرقية أرض محتلة، مشيرا في ذات الوقت إلى أن الرؤساء الأميركيين السابقين والحكومات الأميركية المتعاقبة أقرّوا سابقا بأن القدس الشرقية محتلة.

وقال: "إن الفلسطينيين هم سكان المدينة الأصليون عبر التاريخ، ولهم وضع قانوني في المدينة لا يمكن لأحد أن يتجاوزه قانونيا وتاريخيا وجغرافيا، وبالتالي تقرير الخارجية الأميركية يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، خاصةً الإعلان العالمي لحقوق اللإنسان لسنة 1948 والعهدين الدوليين لسنة 1966".

ولفت عيسى إلى ضرورة التوجه إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة لاستصدار قرار يؤكد الوضعية القانونية للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، وإدانة للتقارير والقرارات الأميركية التي تتنافى مع مختلف الشرائع الدولية والإنسانية.

ويعيش في مدينة القدس نحو 457 ألف فلسطيني يشكّلون ما نسبته 9.1% من عدد السكان الفلسطينيين في دولة فلسطين، البالغ عددهم 5 ملايين فرد مع نهاية عام 2019، وفقا لجهاز الإحصاء المركزي.

منسق الإئتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس زكريا عودة، قال لـ"وفا" إن الإدارة الأميركية باتت شريكة مع الاحتلال الإسرائيلي في سياساته الهادفة إلى الضم والاستيطان وتهويد القدس، مؤكدا أن أي تسميات لن تلغي الهوية الفلسطينية عن المقدسيين، وكون القدس المحتلة جزءا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأضاف: "مهما اختلف مكان إقامتنا في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو الشتات أو الداخل بفعل التهجير وسياسات الاحتلال، لن يستطيع أحد إلغاء هويتنا".

وأشار إلى أن "الإدارة الأميركية تتساوق مع الأيديولوجيا الصهيونية التي لا تعترف بنا كشعب فلسطيني واقع تحت احتلال، وتعتبرنا مقيمين في القدس مثل الأجانب، ليستغل الاحتلال ذلك في إجراءاته بسحب الهوية والإقامة من المقدسيين وتهجيرهم"، موضحا أن "المنهاج الإسرائيلي التعليمي يطلق تسمية "الآخرين"، أو "الأقليات"، أو التوصيف الطائفي والديني علينا، إلا أننا فلسطينيون متجذرون في القدس وموجودون فيها قبل الاحتلال وعلى مرّ التاريخ".

ما ورد في هذا التقرير، يأتي ضمن مسلسل القرارات والإجراءات الأميركية المعادية لشعبنا، منذ تولي ترمب دفة الحكم في البيت الأبيض، فمن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية من تل أبيب إليها، إلى وقف التمويل المخصص لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ووقف المساعدات المالية للفلسطينيين، ومن ثم إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، وصولا إلى الإعلان عن الخطة الأميركية- الإسرائيلية المعروفة بـ"صفقة القرن".

كل هذه القرارات والمواقف والأفعال الأميركية، المنحازة للاحتلال، اصطدمت بالموقف الفلسطيني الصلب الرافض لكل محاولات تصفية قضيته.