البعض قد يتساءل لماذا نرفض صفقة القرن ونصرُّ على هذا الرفض، بالرغم من الثمن الذي قد ندفعه كمنظمة تحرير وقيادة ورئيس، والبعض نصحنا، بحسن نية أو سوء نية، أن نتمهل بالرفض. وكان أكثر الناصحين سوءًا كوشنير عرّاب الصفقة والذي صال وجال في العواصم العربية والعالمية، وما زال يجول على الفضائيات العربية ليسوّق صفقته، ويقول أنها آخر فرصة، وأنها ستجعل الفلسطينيين والمنطقة أكثر رخاءً وأمنًا.

بالفعل لماذا نرفض الصفقة؟ القراءة البسيطة للصفقة تكشف، أولاً أنها منهجيًّا وجوهريًّا تتبنى كامل للرواية للصهيونية الاستعمارية.. كيف؟

هي تنطلق من كون الأرض من البحر للنهر، هي أرض الشعب اليهودي التاريخية، وأن أي تنازل اسرائيلي عن أي أرض من أرض "الأجداد"، هو تنازل إسرائيلي كبير.

لذلك الصفقة أزاحت أو نحت جانبًا القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. ونحت أيضًا قرارات دولية أخرى تتعلق بالصراع، ونحت جانبًا مرجعيات عملية السلام وحتى اتفاقيات أوسلو. هي تقول: إنَّ قرارات الأمم المتحدة لم تحل ولن تحل الصراع وأنها غير منسجمة. وعندما تحدثت عن اتفاقيات أوسلو تعاملت معها تمامًا كما تعاملت مع قرارات الأمم المتحدة، وبدل الاتفاقيات أخذت نصا من خطاب رابين الأخير في الكنيست قبل اغتياله واعتبرته هو الاتفاق، القدس موحدة عاصمة لإسرائيل، ضم وادي الأردن (الأغوار والبحر الميت) ووضعه تحت السيادة الإسرائيلية، وضم المستوطنات. هي اعتبرت هذا النص هو المرشد لحل المرجعية التي انطلقت منه الصفقة هو عمليًّا وعد بلفور وقانون يهودية الدولة ومنها تتم صياغة الحل النهائي وليس من القانون الدولي أو مرجعيات عملية السلام المعروفة منذ مؤتمر مدريد، وهي للقرارات 242 و 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام. الصفقة اختصرت كل ذلك بمبدأ "أرض مقابل الأمن" وانعكس على مفهوم السيادة، فالسيادة كاملة لإسرائيل غرب النهر، وحق تقرير المصير هو عمليا حق ينحصر بالشعب اليهودي على أرضه التاريخية (!!)، وبالنسبة للشعب الفلسطيني فهو فرص عمل مقابل وظيفة حماية إسرائيل

أما القدس فهي موحدة عاصمة لإسرائيل وبخصوص عاصمة دولة فلسطين فهي من المناطق خارج جدار الفصل، شمال وشرق بمعنى انها كفر عقب مخيم شعفاط أبو ديس. ومصير الحرم الشريف، هو التقسيم الزماني والمكاني، مكفول لجميع الديانات الحق بالصلاة فيه مع احترام موعد الصلاة لكل الأديان.

وفيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين، فالصفقة تنص على إنهاء المطالبات باللجوء والهجرة، وأن أي لاجئ لن يسمح له بالعودة لدولة إسرائيل، وحسمت مصيرهم بالتوطين واستيعابهم بدول إسلامية. الصفقة ربطت بين قضية اللاجئين الفلسطينيين واليهود الذين غادروا الدول العربية إلى إسرائيل في خمسينيات القرن العشرين.

ولم تكن الصفقة أقل سوءًا عندما تناولت مسألة الحدود والمستوطنات، فبعد ضمها الأغوار كحدود شرقية آمنة لإسرائيل، ضمت المستوطنات وبالنسبة لقطاع غزّة فمصيره عمليًّا يبقى معلقًا، فإما أن تحكمه السلطة الوطنية الفلسطينية أو أي هيئة وطنية أخرى أو أي هيئة دولية. وبالنسبة للامن، فالصفقة كلها مبنية على أساس حماية أمن اسرائيل والجميع في خدمة هذا الهدف( فلسطين، الأردن ومصر). ماذا يمكن أن نصف الصفقة بعد كل ذلك؟

إنها الفصل الأخير من وعد بلفور والمشروع الصهيوني الاستعماري. لذلك نصر على رفضها وعدم التعاطي معها.