يقول المثل الشعبي "يا رايح كثر الملايح"، ولكنَّ مستشار الرئيس الأميركي، جيسون غرينبلات مُصِرٌّ على أن يفعل العكس تمامًا، فهو كما يعلم الجميع، أعلن استقالته من منصبه ارتباطًا بالتزامات لديه، ولم يبقَ أمامه سوى أيام قليلة ويغادر المشهد السياسي. لكنه أبى إلا أن يقلب المثل المذكور آنفًا رأسًا على عقب، فبات يعمل وفق مثل خاص به مفاده "يا رايح كثر القبايح والفضايح" مع إصراره وتماديه على مواصلة التحريض البشع ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية من خلال المقال، الذي كتبه على موقع Fox News يوم الأربعاء الماضي، ودعا الدول المانحة، التي اجتمعت في اليوم التالي لمقاله، أي يوم الخميس، إلى عدم تقديم أي دعم للفلسطينيين، "لأن الأموال تذهب هدرًا". ليس هذا فحسب، بل إنه ادعى: منذ الاجتماع الأخير (قبل ستة أشهر) للدول المانحة، ورغم الدعم المقدم لهم، إلا أنه "وبشكل غير مدهش، فإنَّ جهودهم الصادقة لم تغير مسار حياة الفلسطينيين".
وأضاف مستطردًا أن "كمية التبرعات التي يتلقاها الفلسطينيون، هي من بين أعلى المعدلات في العالم من حيث المساهمة للفرد. ولكن على الرغم من الجهود التي بذلت على مدى عقود، ورغم مليارات الدولارات واليوروهات والشواقل والتبرعات استمرت الحياة في التدهور".
وتناسى الأميركي البشع العديد من الحقائق والوقائع، التي تفقأ عيونه، وعيون كل المحرضين على الشعب الفلسطيني، ومنها: أولاً لا أميركا ولا دول العالم قاطبة تقدم الدعم للفلسطينيين مجانًا، ولا لسواد عيونهم، وإنما جزء من استحقاقات السلام، وجزء يسير من الكم الهائل من حقوقهم المسلوبة، والتي يتحمل الغرب عمومًا وأميركا وبريطانيا خصوصًا المسؤولية المباشرة عن نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وما تلاها من نكبات وويلات؛ ثانيًا كم كبير من المساعدات المالية واللوجستية قامت دولة الاستعمار الإسرائيلية بسرقتها، أو تدميرها من خلال حروبها واجتياحاتها المتكررة. فضلا عن عمليات الهدم المتواصلة لبيوت وممتلكات ومصالح الفلسطينيين في كل فلسطين التاريخية، والتي لم يكن آخرها هدم ما يزيد عن 100 وحدة سكنية في واد الحمص بقرية صور باهر. وحدث ولا حرج عن عمليات هدم قرية أم العراقيب في النقب، التي زادت عمليات هدمها عن الـ150 مرة، وما نفذته دولة الإرهاب المنظم الصهيونية ارتباطًا بتنفيذ قانون "كامينتس" من هدم لبيوت المواطنين الفلسطينيين داخل الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، والشق الأخير لا علاقة له بالمساعدات، ولكنه إستراتيجية ثابتة في انتهاكات وجرائم حكومات إسرائيل المتعاقبة ضد الفلسطينيين لدفعهم للترانسفير؛ ثالثًا في السنوات الأخيرة قلصت الدول المانحة دعمها لموازنة السلطة الوطنية بشكل ملحوظ، ولم تبق سوى نسبة الـ30% من إجمالي ما هو مطلوب منها لدعم السلطة؛ رابعًا أيضًا الدعم المقدم للسلطة الوطنية وموازنتها يخضع لمعايير وحسابات وأجندات الدول المانحة، وليس عطفا ولا محبة بالفلسطينيين، لأنه في حال خرج المارد الفلسطيني عن طوق الاتفاقات، فإنَّ كل العالم سيدفع الثمن مضاعفا ومكعبا وألف ضعف؛ خامسًا الولايات المتحدة عرابة التسوية السياسية حتى وصول إدارتك المتصهينة تدفع حماية للمشروع الصهيوني، ودولة التطهير العرقي الإسرائيلية. وكما تعلم هذه المساعدات قام رئيسكم دونالد ترامب بوقفها كليا، ومازلت أنت ورئيسك وإدارتك تحرضون الدول لوقف مساعداتها للسلطة الوطنية ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وتمارسون الضغط على كل الدول لتجفيف المساعدات عن الشعب الفلسطيني. مع أن ذلك ليس في مصلحتكم، ولا في مصلحة أحد في الكون، لأن ارتداداتها ستكون غير محمودة نهائيا عليكم.
وأود أن أضيف لذاكرتك الضعيفة، نحن في السلطة الوطنية طالبنا، ومازلنا نطالب يوميًّا بأن توقف كل الدول مساعداتها شرط أن نحصل على استقلالنا السياسي على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194. لن نكون في حاجة لأي مساعدة، وجاهزون لتحمل مسؤولياتنا تجاه شعبنا، وبناء اقتصاد متطور وفق المرتكزات والمعايير العالمية.
ولكن طالما دولة الاستعمار الإسرائيلية تواصل نهبها لأرضنا ولثرواتنا، وتدمير ممتلكاتنا وبيوتنا، وتخريب مزارعنا، وتنهب أموال المقاصة والضرائب، وتسعى لتأبيد تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد والسوق والغلاف الجمركي الإسرائيلي، وترفض الاعتراف السياسي بحقوقنا واستقلالنا، فسنبقى نطالب الدول المانحة بتحمل مسؤولياتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية... إلخ تجاه شعبنا، ودعم موازنته، وتقديم كل ما يحتاجه وفق الاتفاقات الدولية المبرمة، لأن ذلك في مصلحة دول العالم، وليس في مصلحة الفلسطينيين فقط.
كلمة أخيرة لك أيها المستشار الأميركوصهيوني القبيح، أغرب عن المنطقة، لأنك لم تتعلم ولا درسًا واحدا خلال فترة السنتين الماضيتين من عملك، كونك بالأساس جئت تنفذ أجندة أفنجيلكانية صهيونية معادية للسلام، وسعيت لإشعال فتيل الفوضى والإرهاب، والتمهيد لحروب هار ماجدو الخرافية. أدعوك لأن تحاول ان تراجع تجربتك، ومسيرة عملك، وفكر بغيرك، كما قال محمود درويش شاعرنا العظيم لصناعة السلام والتسامح لا لإشعال الفتن والفوضى، لعل ذلك يغفر لك ذات يوم عند الله جل جلاله والشعب العربي الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها