"ثانياً: عقد اجتماع لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية "الأمناء العامون"، خلال شهر أكتوبر 2019 في العاصمة المصرية القاهرة بحضور الرئيس محمود عباس، وتكون مهام هذا الاجتماع الاتفاق على رؤية وبرنامج واستراتيجية وطنية نضالية مشتركة، والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، والرقابة على عملها وفق القانون إلى حين إجراء الانتخابات الشاملة، ومهمتها الأساسية توحيد المؤسسات الفلسطينية وكسر الحصار عن قطاع غزة، وتعزيز مقومات الصمود لشعبنا في الضفة لمواجهة الاستيطان والتهويد، وتسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية".
يكمن في نص الفقرة السابقة لغم نعتقد انه قد تم زرعه بعناية ودقة متناهية بما يمنع باحثين ومحللين سياسيين وقيادات سياسية من اكتشافه.
لغم يتيح لحماس تفجير رؤية ومبادرة الفصائل الثمانية وقتما تشاء، إذا لم تأت الأمور كما يشتهي مشايخها، هو لغم نصي يشرعن الانقلاب، ويعيد الحياة لعظام المجلس التشريعي الذي باتت عظامه رميما منذ اغتصاب حماس للقانون، وانقلابها على الشرعية الفلسطينية والمشروع الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية!.
دققوا ولاحظوا معنا فقد جاء في البند ثانيا من المبادرة كما بيناه اعلاه: "..والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، والرقابة على عملها وفق القانون"!!!!!!
عن أي قانون تتحدث المبادرة؟! الجواب المفترض- حسب النص – هو القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وحسب هذا القانون فإن الرقابة على أي حكومة للسلطة الفلسطينية من صلاحيات المجلس التشريعي، ما يعني حسب النص الوارد في ثانيا من مبادرة الفصائل أن المجلس التشريعي مازال قائما، وهذا انقلاب آخر على السلطة القضائية إذ يعلم كل الشعب الفلسطيني كما يعلم قادة الفصائل الموقعون على المبادرة أن التشريعي محلول بقرار من المحكمة الدستورية صدر بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، ما يعني أيضا أن الفصائل التي قدمت هذه المبادرة لا تعترف بقرارات القضاء الفلسطيني، لكنها بذات الوقت تؤكد الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، التي لا يمكن اجراؤها دون الاقرار بصلاحية وشرعية السلطة القضائية وقراراتها ... فهل هذا استغفال؟!، أم غفلة؟! أم استعجال؟! أم عجلة مسننة قاطعة ناهشة تحاول حماس استخدامها لفرم منظومة السلطة الوطنية الفلسطينية وبنية مؤسساتها؟!.
تمتلكنا خشية أن النصوص كتبت بحبر حمساوي أما التوقيع عليها فكان فصائليا، أما إذا نظرنا إلى جملة "إلى حين اجراء الانتخابات الشاملة" فتصير كالتالي كما نسخناها من النص الأصلي في ثانيا: " ...... والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، والرقابة على عملها وفق القانون إلى حين إجراء الانتخابات الشاملة"، وهذا يعني أن مشايخ حماس كتبوا سيناريو (الرؤية المبادرة) وصمموا اخراجها، بما يضمن اخضاع ما سمي (حكومة وحدة وطنية انتقالية) لسيطرتهم، أي استدراج الرئيس محمود عباس إلى بيت الطاعة كما يظنون - وظنونهم كلها إثم – فهم يعلمون أن أي حكومة للسلطة الوطنية، هي في الأصل حكومة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية أيا كان مسماها، ومنظمة التحرير الفلسطينية صاحبة الولاية على السلطة كلها ... ما يعني أيضا أن حماس قد استغلت حسن النوايا لدى مندوبي الفصائل واستطاعت إخراج الفصائل من الوطن المعنوي منظمة التحريرالفلسطينية، وتسعى منذ لحظة اشهار المبادرة الى ادخالهم في (سم الخياط) الحمساوي عبر التظاهر بالتفاعل الايجابي مع المبادرة، والهدف واضح لا يحتاج لمكبرات ولا تقريب وهو ترقيع مشروعها الاخواني المتهالك، وتعزيز الوكالة التي حصلت عليها من المورد الاقليمي للسلاح والمال (ايران).
ربما يفيد في هذا المقام تذكير الإخوة والرفاق الفصائل الثمانية أن اتفاق العام 2005 هو الاتفاق الوحيد لاستعادة الوحدة الوطنية، وما بعده في 2011 و2017 هو بروتوكولات وإعلانات، وأوراق وخطط وتفاصيل لتنفيذها وقع مشايخ حماس عليها كلها بشخص رئيس مكتبهم السياسي أو نائبه، لكنهم نقضوها كلها، وبما أن المذكور مرجعية، فليس المطلوب إلا العودة لنصوص هذه المرجعيات وتطبيقها حرفيا، إلا إذا أرادت الفصائل الثمانية ضم هذه المبادرة الى المرجعيات التي احرقتها حماس بالتفجيرات في قطاع غزة والاعتداء على وزراء حكومة الوفاق وامتناعها عن تسليم قطاع غزة للحكومة والسلطة الوطنية.
بقي ان نقول بصوت عال إننا لا نقبل بأي شكل كان التقليل من مكانة الرئيس محمود عباس في نص مبادرة لفصائل فلسطينية أعضاء في منظمة التحرير، فالمبادرة تتحدث عن اجتماع لقادة الفصائل بحضور الرئيس محمود عباس، ولا تتحدث عن اجتماع برئاسته، فالرئيس أبو مازن هو رئيس الشعب الفلسطيني، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ويرأس اجتماعات اللجنة والقيادة الفلسطينية، اما وقد وردت العبارة بهذا الشكل كما جاء في البند الثاني المبين بداية مقالنا، فإننا نعتقد بوجود قصور في فهم طبيعة العلاقة النظامية والقانونية بين مراتب المنظمة والقوى الفلسطينية التي حتى لو كانت خارج اطار المنظمة من حيث التمثيل، فإن الرئيس محمود عباس باعتباره رئيسا للمنظمة وللشعب يرأس كل الاجتماعات على هذا المستوى، نكتب هذا رغم معاناتنا لتغليب حسن النية على نقيضها في اختيار مندوبي الفصائل للمصطلحات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها