موضوع المصالحة الوطنية بات يحمل الكثير من الأرق للمواطن الفلسطيني، وتضاءلت الثقة في أوساط الجماهير بإمكانية حدوث تطور جدي على هذا الصعيد، لأنّ قيادة حركة "حماس" ليست جادة بالتقدُّم في تطبيق اتفاق تشرين أول/ أكتوبر 2017، ومازالت تماطل وتسوف للهروب من الالتزامات المترتبة عليها، لأنّها لا تملك قرارها، وكونها أسيرة أجندتها الإخوانية وبعض العربية والإقليمية، وتراهن على تطورات في المشهد السياسي، لعله يحمل لها حبل النجاة. رغم أنّها تعاني من أزمات وصراعات داخلية عميقة بين أجنحتها وتياراتها.
ومَن تابع الحراك الإيجابي للراعي المصري الشقيق عن كثب، لمس مجدّدًا أنَّ حركة "حماس" تناور للاستفادة من الوقت. مع أنّها لم تقل لا مطلقة، غير أنّها قالت "لعم"، وطرحت مواقف لا تقبل القسمة على الشروع الجدي بتنفيذ اتفاق 2017، مع أنّها ادّعت تمسّكها بالاتفاقات المبرمة بينها وبين فصائل العمل الوطني عموما وحركة فتح خصوصًا. واعتبرتها بمثابة مرجعية، والتفت عليها من خلال دعوتها لإعادة البحث في  "الاتفاق على رؤية سياسية وطنية شاملة"، وكأنَّ الرؤية لم تتضمّنها الاتفاقات السابقة؛ وكررت ذات النقطة بصيغة أخرى "الاتفاق على برنامج سياسي مشترك، واستراتيجية وطنية موحّدة"؛ ووضعت مسمار جحا في تسلُّم الحكومة لمسؤولياتها، عندما أشارت إلى أن "تكون الحكومة انتقالية، وتمارس عملها بتاريخ 1/8/2019، وأن يتم إخضاعها لآلية رقابية لحين إجراء الانتخابات الشاملة"، بتعبير آخر أن تبقى حكومة الظل الحمساوية قائمة، وتمارس نفوذها على الأرض، وقفزت عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؛ ثُمّ عرجت على " دعوة الإطار القيادي لمنظمة التحرير (لا وجود لهكذا صيغة نهائيًّا في المنظمة) بتاريخ 1/9/2019 وفق الاتفاقات الموقّعة سابقًا، والبدء بإجراء الإصلاحات فور انتهاء الاجتماع". مع أنّ الاتفاقات وضعت آلية لذلك؛ وأضافت "دراسة سبل توحيد المؤسسات القضائية"، وكأنّها تقول لا للالتزام بما تم الاتفاق عليه سابقًا، لأنها تخشى من حكم القانون لاحقا لقياداتها. ولأنّ قضاءها غير شرعي، وتسعي لتشريعه؛ وتابعت تكرر مقولتها حول الانتخابات المتزامنة (تشريعية ورئاسية ومجلس وطني) في مطلع 2020؛ ثم عادت لاسطوانتها المشروخة الداعية "لإلغاء الإجراءات المتخذة بما يتعلّق بقطاع غزة"، وهي غير موجودة أصلاً... إلخ.
من خلال التدقيق فيما طرحته قيادة الانقلاب الحمساوية، بدا واضحًا أنّها تطالب بإعادة بحث كل ما تمَّ الاتّفاق عليه مجدّدًا من الألف إلى الياء. وهو ما يعكس عدم جديتها، ليس هذا فحسب، بل عدم التزامها بما أبرم من اتفاقيات من حيث المبدأ، وإصرارها على التمسك بخيار الانقلاب على حساب الوحدة الوطنية. مع أنّ الرئيس أبو مازن وقيادة حركة "فتح"
 أبدت الاستعداد للتنفيذ الفوري لاتفاق أكتوبر 2017، وتنتظر إبداء حركة "حماس" الاستعداد الجدي للتنفيذ. كما أن رئيس الحكومة، الدكتور اشتية أعلن أكثر من مرة استعداده لتسلم الوزارات والهيئات فورًا.
ومع ذلك على القيادة الشرعية إبقاء الباب مفتوحًا، وعدم إغلاقه نهائيًّا، والعمل مع فصائل العمل الوطني، ومع حركة الجهاد الإسلامي والاتجاه الإيجابي في حركة "حماس" لتجسير الهوة معها، خاصة وأن اللحظة السياسية الراهنة، التي تزداد فيها الهجمة الأميركية الإسرائيلية على المشروع الوطني، وتستهدف الكل الفلسطيني، ولا يوجد إنسان فلسطيني خارج دائرة الاستهداف. الأمر الذي يفرض على حركة الانقلاب إن كانت معنية بتوطين نفسها في الصف الوطني أولا وعاشرا، أنّ تبتعد عن الأجندة الإخوانية وبعض العربية والإقليمية، وتعلن صراحة دون تلكؤ، أو تسويف استعدادها لطي صفحة الانقلاب الأسود، والعودة إلى جادة الوحدة الوطنية. الكرة في مرمى حركة حماس وحدها دون سواها، وعليها أن تتذكر دائما وأبدا تصريحات نتنياهو المتكررة، بأنّه لن يسمح بإنهاء الانقسام، ولن يسمح بعودة الوحدة بين جناحي الوطن الفلسطيني، لأنَّ الانقلاب والانقسام مصلحة استراتيجية إسرائيلية. فهل تعود حركة "حماس" لرشدها، وتنهي اثني عشر عامًا من الظلام والتمزُّق والانقسام؟