لم يعد خافياً على أحد أنَّ ما سُمِّي بصفقة القرن وهو مشروع صهيوني، تعود جذوره إلى مؤتمر بال في سويسرا العام 1897، والذي تم فيه الاتفاق بقيادة هرتزل على إقامة دولة لليهود على أرض فلسطين العربية، وكانت خطواته العملية قد برزت بعد الحرب العالمية الأولى من خلال سايكس بيكو، وتبلور المشروع بوضوح أكثر في مضمون وعد بلفور البريطاني المنتصر في الحرب العالمية الأولى، حيث قدمَّ بلفور البريطاني وعداً حاسماً، وتاريخياً بإقامة الدولة اليهودية على الأراضي الفلسطينية، وهذا ما جعل بريطانيا المنتدبة على فلسطين أن تُسِّرع في عملية تهجير اليهود، وبأعداد كبيرة من مختلف دول العالم إلى الأراضي الفلسطينية، حيث تمَّ تدريب وتسليح هذه المجموعات اليهودية، لتصبح في العام 1948 هي الجيش الصهيوني الذي ارتكب مئات المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، واقتلاعهم من أرضهم وقراهم، وما زالوا مشردين منذ واحدٍ وسبعين عاماً.
إذاً صفقة ترامب الصهيونية الأميركية، هي أوَّل ما تستهدف القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها، بمعنى أوضح هي تستهدف الأرض الفلسطينية المباركة، وهي أرض الإسراء والمعراج، وأرض الرباط، أرض المقدسات الاسلامية والمسيحية، وهي لفظت كلَّ الغزاة والمستعمرين، وظَّلت هي أرض الكنعانيين، واليبوسيين الذين هم أجدادنا منذ آلاف السنين، كما تستهدف الشعب الفلسطيني، وتراثه الوطني والقومي، وإضافة إلى ذلك، فهي تستهدف الحقوق الوطنية والقومية التاريخية للشعب الفلسطيني.
بناء على ما تقدم فإن صفقة ترامب الصهيونية كانت واضحة لقيادتنا بكل أبعادها، فهي التي وضعت العالم أمام خيارات صعبة، وتعَّمدت وضع الشعب الفلسطيني في مأزق خطير ومعقَّد من أجل استنزافه، وتركيعه، وحمله على التنازل عن حقوقه المشروعة، وبالتالي تسهيل السيطرة والهيمنة الاسرائيلية على الأراضي المحتلة.
إنَّ السياسة الاميركية الاسرائيلية الصهيونية، مارست عملية تدمير ما حققه الشعب الفلسطيني من إنجازات سياسية، وقانونية، ودبلوماسية عبر عشرات السنوات، وذلك من خلال الإجراءات، والقرارات، ونسف الوقائع التي ناضل من أجلها الشعب الفلسطيني، وإعادته إلى نقطة الصفر:
أ- هذه الصفقة تحدَّت قرارات الشرعية الدولية، وداست عليها من أجل إعطاء الفرصة السانحة للكيان الصهيوني، كي يحقق طموحاته المستقبلية على حساب الحقوق التاريخية الفلسطينية ومنها :
1- الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، والطلب من دول العالم أن تنقل سفاراتها إليها، وكانت واشنطن أول من نقل سفارته من تل أبيب إلى القدس.
2- أقفلت واشنطن قنصليتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة والقائمة هناك منذ 1840، وهذا يعني قطع العلاقة مع الشعب الفلسطيني.
3- إقفال مكاتب "م.ت.ف" والتي كانت حلقة الوصل بين منظمة التحرير والولايات المتحدة.
4- دعم قرار الكنيست الاسرائيلي القاضي باعتبار كافة الأراضي الفلسطينية هي أرض الدولة القومية اليهودية، مطالبةً كافة اليهود في العالم أن يأتوا إلى أرض يهودا والسامرة، لتقرير مصيرهم عليها. وهذا يعني بالطبع بالنسبة لهم أنَّ لا وجود للشعب الفلسطيني على هذه الأرض. بالتالي ليس هناك حق للشعب الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران، والقدس هي العاصمة لدولة الشعب الفلسطيني، وبمعنى أوضح أنَّ صفقة ترامب تنفي نفياً قاطعاً وعملياً، وجود قرار دولي يضمن حلَّ الدولتين المتعارف عليه على الصعيد الدولي.
ب- صفقة ترامب- نتنياهو الصيهوني تستهدف أيضًا النسيج الداخلي الوطني والاجتماعي الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالمحتل الاسرائيلي ينشط ويسرِّع في مصادرة الأراضي، وهدم البيوت الفلسطينية، وتهويد المقدسات الدينية الاسلامية، وبناء المستوطنات والوحدات الإستيطانية، وتكثيف الاعتقالات، وتعذيب الأسرى خاصة المرضى، واستهداف الشبان والنساء والأطفال الذين يشاركون في المسيرات الشعبية والمواجهات ضد الاحتلال سواء في الضفة أو في قطاع غزة، والإعدامات المدنية، أضف إلى ذلك كله التضييق الاقتصادي والتجاري في كافة الأراضي المحتلة، وشلِّ قدرات وإمكانيات وفرص العمل لدى الأهالي الفلسطينيين، وانتشار البطالة، خاصة بين خريجي الجامعات وأيضاً أرباب الأسر.
ج- ولعلَّ القضية الأبرز في موضوع الاستهداف، هي قضية اللاجئين وحقهم الشرعي والقانوني في العودة إلى الأرض التي شردوا منها، والعودة تستند إلى القرار 194 وهو قرار دولي يربط بشكل واضح الاعتراف بوجود دولة يهودية باعتراف الكيان الصيهوني بحق الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم، وهذا الأمر ملزم للمحتل.
ولأنَّ الأونروا هي المؤسسة الدولية التي واكبت مأساة اللجوء والتشرد منذ بداية النكبة، وهي الشاهد على كافة التفاصيل، وجدنا أن الصفقة الصهيونية تستهدف اللاجئين بما في ذلك المخيمات التي ترمز إلى مأساة التشرد، وهي التي تضم عشرات الآلاف من اللاجئين الذين ينتظرون بفارغ الصبر العودة إلى أرضهم وقراهم، وهم في الواقع يرفضون أية حلول سياسية أو اقتصادية كبديل عن حق العودة والتعويض.
من هذا المنطلق فإن المخيم هو الحلقة المركزية في الصراع بما يمثِّل من العنفوان الوطني الفلسطيني، ومن الذكريات المختزنة، وما شهده من تضحيات، وصمود، وصبر، وقوافل شهداء، ومعاناة، وحصارات، ومجازر. وأيضاً هذا المخيم هو المكان الذي شهدَ تطور الأجيال، ومراحل الصراع، والنهوض، والاعتزاز.
من أجل ذلك فإنَّ المخيم الفلسطيني هو الضمانة لاستمرار الصراع ضد كل أشكال التآمر والتواطؤ، والمخيم هو البيت الوطني الجامع لكل أطيافنا وأجيالنا، وهو الحافظ لكل محطاتنا النضالية، وفيه يكون الإبداع، ومنه تكون عملية الانطلاق، وفي زواريبه نتذكر الآباء والشهداء، والأجداد والأمهات.
المخيم إذاً ليس مجرد بقعة جغرافية مسكونة بالبيوت، أو بالخيام، أو الأبنية، إنه يرمز إلى العودة إلى أرض الوطن مهما طال الزمن.
انطلاقاً مما أسلفنا، فنحن جميعاً بكل مكوناتنا البشرية ومستوياتنا العلمية والسياسية، وكل شرائحنا الاجتماعية، معنيون شئنا أو أبينا أن نحافظ على مخيماتنا ورمزيتها، لتكون واحةً للعمل الوطني الفلسطيني، ومسرحاً للأنشطة على اختلافها، وأن نحمي كرامتها، لأنَّ كرامتها من كرامة ثورتنا وقوافل شهدائنا.
وهنا نقرع الجرس بقوة، لنقول لأنفسنا وبكل صراحة ووضوح، سواء كنا قادة فصائل، أو قيمين على اللجان الشعبية، أو مسؤولين في المؤسسات والجمعيات، أو وجهاء، وأندية، وعلماء، مطلوب من الجميع أن نستنفر قوتنا، وقدرتنا، وخبرتنا، وتجاربنا، وأن نشحذ الهمم من أجل حسم خياراتنا، فإمّا أن نكون على قدر المسؤولية، أو لا نكون في موقع المسؤولية، لأن الاستهداف قائم وقادم على صعيد آخر من قبل صفقة القرن، والمخيم هو بيت القصيد، لأنَّ المخيم يجمعنا، ويمنحنا الفرصة والقوة، لنفكر معاً، ونقرر معاً.
والأهم، وأمام هذه الهجمة الصهيونية الشرسة، أن نضبط الأوضاع الداخلية في المخيمات، وإفشال أية محاولة تهدف إلى زعزعة استقرار المخيم، أو تفتح المجال للحاقدين، أو هواة الفوضى بتمييع النظام. ولا بد من دراسة الظواهر المتفشية في المخيمات، ومعالجتها، ووضع حدٍ لها قبل أن تستفحل، وتشكل خطراً على المجموع.
علينا جمعياً أن نتحمل مسؤولياتنا الإجتماعية، والوطنية، والسياسية، والأمنية حتى نصون كرامتنا، وشرفنا، ونواصل مسيرتنا الوطنية بأمانة، مصممين على تجاوز المحنة وعلى تحصين مخيماتنا حتى تستطيع مواجهة التحديات الكبيرة والخطيرة التي ستتمخض عنها صفقة ترامب- نتنياهو الصهيونية.
إنَّ الواقع السياسي المحيط بنا، والتحديات الداخلية التي تواجه المخيمات يجب التعاطي معها بإجماع وطني، من أجل أن تكون المخيمات هي الحصن الحصين الذي يضمن صلابة جبهتنا الوطنية والداخلية في صراعنا من أجل إسقاط المؤامرة.
عضو المجلس الثَّوري
الحاج رفعت شناعة
2019/7/15
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها