"لم يعد باستطاعتنا تحمُّل الوضع القائم، وسنضطّر لاتّخاذ خطوات مصيرية" بهذه الكلمات الواضحة والحاسمة، لم يكن الرئيس أبو مازن في كلمته أمام القمة العربية في تونس يشكو لأحد في هذه القمة، صعوبة الوضع القائم الذي تعيشه فلسطين وشعبها وقضيتها، بقدر ما كان ينبّه، وبمعنى العبارة ومرارتها، قادة العرب وزعماءهم إلى حقيقة المخاطر التي تتربّص بدول الأمة العربية وشعوبها، المخاطر التي تهدِّد بمستقبل الضياع والعدمية.

لقد فاض الكيل، و"الخطوات المصيرية" تعني من بين ما تعني، أنَّنا لن نكون "الهنود الحمر" في هذه الأمة، مع الاعتذار لأمة الهنود الحمر التي تعرَّضت لأبشع عمليات الإبادة على أيدي المستوطنين الأمريكان، الذين قتلوا بالرصاص والأوبئة أكثر من 100 مليون من أبنائها، حتى استقر لهم الأمر في القارة الأميركية!! وخطواتنا المصيرية ستعني أيضًا ودون شك، أنّ الأمن والاستقرار في عموم المنطقة العربية، لن يكونا ممكنين تمامًا، إذا ما ظلّت القدس محتلة، وشعب فلسطين دون دولته التي يستحق شرعًا وحقًّا وقانونًا وضرورة عدل واستقرار وسلام.

سيظل من الخطأ القاتل، ألّا يرى البعض من العرب، أنّ العرب دولاً وشعوبًا، ومنذ وعد بلفور وبحسابات هذا الوعد المشؤوم، باتوا جميعًا على متن سفينة فلسطين، بقضيتها التي لا سبيل لتجاوزها وما زالوا كذلك، فإنَّ غرقت هذه السفينة غرقوا، ولا ينبغي لأحد في هذه الأمة أن يظن أنَّ قوارب السلامة الشخصية ممكنة (!!) إذ لا شواطئ أمن وأمان لهذه القوارب، فمخططات اليمين العنصري الأميركي الإسرائيلي لا تريد سوى التهام الأمة العربية بماضيها وحاضرها ومستقبلها، وهي لا ترى في هذه الأمة بشرًا يستحقون الحياة الآمنة الكريمة، بل قطعانًا لا بدّ من ذبحها بعد نهب كل ثرواتها!!

لقد فاض الكيل حقًّا، والخطوات المصيرية، وبرغم أنّها ستكون خطوات فلسطينية أولاً، لكن لا ينبغي أن تظل كذلك، هذه هي رسالة فلسطين لأشقائها العرب وقد نقلها الرئيس أبو مازن بكل أمانة وصدق ووضوح في كلمته أمام القمة الثلاثين.

وبالطبع ستكون خطواتنا المصيرية أولاً هنا، في مواجهة المحتل الإسرائيلي وجرائمه الاستيطانية، وسياساته العنصرية الدموية، وستكون أيضًا في مواجهة تغوّل "حماس" في سياسات القمع والتنكيل ضد أهلنا في قطاع غزة المكلوم، ولهاثها خلف صفقة ترامب الفاسدة باستعداد مذل لتمريرها!! وفي هذا الإطار وعلى نحو بالغ الصرامة حذَّر الرئيس أبو مازن "حماس" من "التطاول على جماهير شعبنا التي انتفضت في غزة مطالبة بالعيش الكريم وإنهاء الانقلاب"، إنّه تحذير الزعيم الذي يعرف الجميع أنّه "إذا ما قال فعل".

ولأنَّ القدس ليست للبيع، خطواتنا المصيرية على الطريق الذي سنقطع مهما طال الزمن وأيًّا كان الثمن.