لا يحتاج الأشقاء العرب إلى براهين إضافية لإثبات الحقيقة القائلة إن الإدارة الأميركية قد قررت بكل وضوح تبني إسرائيل كدولة احتلال واستعمار استيطاني عنصري، وتسخير قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية لضمان استمرار عقلية إرهاب الدولة، والتمرد على القانون الدولي وابتزاز العرب وردعهم كلما دعتها الحاجة لذلك، حتى لو كان هذا الانحياز الصريح لحكومة الاحتلال على حساب مصالحها التي كما يبدو قد ضمنت ألا تمس، ورغم علم الإدارة الأميركية أن العدالة الدولية لو طبقت في هذا العالم لحوكم معظم ساسة دولة الاحتلال وقادة جيشها ومستوطنيها كمجرمي حرب ومجرمين ضد الإنسانية .
ربما كان الأشقاء العرب على المستوى الرسمي بحاجة للاستماع إلى الكلمة الفصل في هذا الشأن من الضحية، الذي كان قد أعطى الولايات المتحدة الفرصة تلو الأخرى لتكون قوة عظمى حقيقية تحرص على تكريس سلام أردناه بحق، فنحن الفلسطينيون قد سخرنا عقولنا وضمائرنا من اجل تحقيق سلام يؤمن مستقبلا مزدهرا للمنطقة ويضمن الاستقرار والنمو لشعوبها، لكن عقلية المستعمر العدوانية المغذاة بتعاليم عنصرية التي طغت ونظمت سياسة الإدارة الأميركية وأظهرتها إدارة ترامب على حقيقتها قد حسمت الأمر، وأخذت الولايات المتحدة زمام العدوان على الشعب الفلسطيني والأمة العربية وأمسكته بيدها مباشرة فكان قرار ترامب اعتبار القدس العربية الفلسطينية عاصمة موحدة لدولة الاحتلال إسرائيل، والاعتراف بسيادتها على الجولان العربي السوري بمثابة البرهان القاطع ما جعل الرئيس محمود عباس يمتلك أقصى درجات الشجاعة وأوضح التعابير، كقائد وطني وعربي ورئيس إنسان حر ويسجل أمام القادة العرب حكمه القاطع على السياسة الأميركية وهو الخبير جدا بعوالمها وخباياها وأحكامها التي استخلصها خلال عقود من الصراع السياسي معها مباشرة ومع رؤوس قاعدتها المتقدمة في المنطقة (إسرائيل) فقد قال في خطابه: "إن مواصلة إسرائيل لسياستها العنصرية، والتصرف كدولة فوق القانون، ما كان له أن يكون لولا دعم الإدارة الأميركية للاحتلال الإسرائيلي" ثم لخص رؤيته البعيدة المدى بقوله: "إن الآتي من أميركا اخطر وأعظم " .
ربما يدرك الأشقاء العرب الأهداف والأبعاد الحقيقية لسياسة إدارة ترامب في المنطقة العربية، ونريدهم إن يبدأوا بالتفكير والاعتقاد أن المقصود بالحملة الاستعمارية الحديثة ليس فلسطين الأرض والشعب والقضية وحسب، بل الوطن العربي كجغرافية والأمة العربية كشعوب ودول، بكل ما فيها من مكونات ثقافية وحضارية أيضا، وان إدارة ترامب تعمل على تدمير الركن السياسي، عبر دفع الشعوب العربية إلى التشكيك بقدرة حكامها على الوفاء بتعهداتهم، وأخذ القرارات الحرة المستقلة، ونعتقد أن جرأة رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة التحرر الوطنية الفلسطيني قد تحضهم على استحضار روح العروبة وكرامة الإنسان العربي باعتبارها أثمن ما لديه في الحياة، فالرئيس اعتبر قرارات ترامب بخصوص القدس والجولان (عملية نسف) للمبادرة العربية ، أي إن هذه القرارات عدوان مباشر على إرادة ثلاثمائة مليون عربي، أراد قادتهم إن تكون المبادرة العربية إحدى مرجعيات الحل السياسي للقضية الفلسطينية، القائم على أساس انجاز الاستقلال الفلسطيني بدولة مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. ونسف هذه المبادرة يعني تدمير العمق الاستراتيجي للشعب الفلسطيني، وتفكيك وتحطيم روابط العرب مع قضيتهم المركزية (قضية فلسطين).
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها