أعلن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركية يوم الخميس الماضي أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (الكونغرس) عن فشل المرتكزات القديمة، التي اعتمدتها الإدارات الأميركية السابقة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وأن الإدارة تعمل على صياغة ركائز جديدة تستند إلى الواقع القائم. وهو هنا يصب في ذات الاتجاه، الذي نعق به فريدمان، سفير أميركا بإسرائيل، وذات الشيء، الذي تحدث به غرينبلات، ممثل الرئيس ترامب، وقبلهما كوشنير، مسؤول الفريق الصهيوني المكلف بالملف بتعبير آخر، كما نلاحظ عملية تكامل بين أركان الإدارة الأميركية في التمهيد للإعلان عن صفقة القرن المشؤومة بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة في التاسع من نيسان/ابريل الحالي، والتي بدأت عمليات تكريسها في أرض الواقع منذ تشرين الثاني / نوفمبر 2018 والتي تهدف لإسقاط خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وفرض سيادة دولة الاستعمار الإسرائيلية على أجزاء كبيرة من الضفة الفلسطينية، لا تنحصر في الكتل الاستعمارية الثلاث فقط، بل يمكن أن تطال المنطقة C بكاملها، التي تبلغ مساحتها 62% من الأراضي المحتلة عام 1967، والاعتراف بدويلة غزة تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين الانقلابية، ليس هذا فحسب، إنما قد تذهب بعيدا في الدفع بخيار "الوطن البديل" في الأردن الشقيق، وفرض تبادل أراض بين المملكتين السعودية والأردنية لتكريس الواقع الجديد.
هذا التطور استبقته تصريحات جلية وواضحة جدا للعاهل الأردني، عبدالله الثاني في لقاء جمعه مع بعض وسائل الإعلام العربية قبل شهور قليلة، أعلن فيها لاءاته الثلاث: لا للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لا "للوطن البديل"، ولا للتوطين. فضلا عن البيان الختامي الصادر عن لقاء القمة، الذي جمعه مع العاهل المغربي، محمد السادس، الصادر يوم الخميس الماضي (28 آذار الحالي) في الدار البيضاء، الذي أكدا فيه، على التمسُّك بخيار حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، ورفض قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مع تأكيد العاهلين على استمرار الوصاية الأردنية على المقدسات، وخاصة المسجد الأقصى، ودعمهما لكفاح الشعب الفلسطيني الشقيق في تحقيق أهدافه الوطنية
ومواقف العاهلين المغربي والأردني تؤكد المؤكد العربي الرسمي المتمثل بالتمسك بمبادرة السلام العربية، الناظم الأساسي للسياسة الرسمية العربية، والتي من المفترض ان تؤكد عليها مجددا قمة تونس العربية في دورتها الثلاثين، التي بدأت أعمالها أمس الأحد الموافق 31 من آذار/ مارس 2019. لا سيما وان صفقة القرن الأميركية تستهدف أكثر من دولة عربية (الأردن والسعودية)، وقبلهم الشعب العربي الفلسطيني، الذي أكدت قيادته رفضها المبكر لها، واستشرفت تداعياتها الخطيرة منذ اللحظة الأولى للإعلان عن أولى خطواتها بالاعتراف بالقدس الفلسطينية العربية، عاصمة لإسرائيل في مطلع كانون الأول / ديسمبر 2017. وتأكيدا لذات الموقف الثابت، رفضت المملكة المغربية استقبال رئيس مجلس الشيوخ الروماني بعد إعلان رئيسة الوزراء قبل أيام قليلة أثناء إلقائها خطابها أمام الإيباك في واشنطن، عن نيتها نقل السفارة الرومانية من تل أبيب للقدس، ورد عليها الرئيس الروماني نفسه، رافضا هذا الموقف، وأكد انه شخصيا المسؤول عن اتخاذ هكذا قرار، وليست رئيسة الوزراء، التي تهرف بما لا تعرف. وهو ما يشير إلى ثبات مواقف المغرب الشقيق ملكا وحكومة وشعبا لأية مواقف تهدد مصالح وأهداف الشعب العربي الفلسطيني.
وكان كل من الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس أعلنا في أكثر من لقاء قمة جمعهما على مدار السنوات الماضية قبل مجيء إدارة ترامب، وبعد تسلمها لمهامها مطلع 2017، أن "الأردن للأردنيين، وأن فلسطين للفلسطينيين"، كما ورفضا الحديث من حيث المبدأ عن موضوع الكونفيدرالية قبل استقلال الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967. كما وأكد العاهل الأردني وقوف المملكة إلى جانب الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية في كل مناسبة تحدث فيها داخليًا أو أمام المنابر العربية والإقليمية والدولية.
إذا مرتكزات بومبيو وإدارته اليمينية الفاشلة والبلطجية، لن ترى النور، ولن تفلح إدارة ترامب في تمرير صفقة القرن المشؤومة، لأنها مرفوضة فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، وتهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين، كما لن تفلح في ما ذهبت إليه بشأن الجولان السورية العربية، والتي ستبقى سورية بامتياز. وعلى تاجر العقارات أن يطوي مراسيمه وقراراته في أدراج الماضي المظلم والسحيق.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها