دورة البرلمان العربي الأخيرة التي استضافتها العاصمة الأردنية عمان قبل أيام، أثارت أصداء واسعة ولقيت اهتمامًا غير عادي في الصحافة العربية، ومن كتاب الرأي، وخبراء السياسات الاستراتيجية، لأنَّها تعرَّضت بجرأة غير عادية لموضوع على مستوى عالٍ من الخطورة، وهو موضوع التطبيع مع العدو المركزي للأمة العربية وهي إسرائيل وعدوانها المتغوّل ضد المنطقة العربية وقضيتها العليا حتى ولو كره الخائنون، وخاصّةً أنَّ دورة البرلمان العربي التي جاءت مباشرة في أعقاب مؤتمر وارسو التي تحوَّل فيه دونالد ترامب وعبر رجال إدارته إلى فريق دعاية بالمطلق لصالح نتنياهو رئيس وزراء (إسرائيل)، بادّعاء أنَّ وزراء الخارجية العرب الذين حضروا مؤتمر وارسو كانوا فرسان الاختراق المجاني في عملية التطبيع، والمبالغات الكاذبة التي اندفع إليها ماك بومبيو وزير الخارجية الأميركي الذي وصف تناول الطعام من قبل وزراء الخارجية العرب مع نتنياهو في وارسو يشكل سابقة كبيرة جدًّا ومؤشِّرًا على إمكانية تحالف عربي جديد، وانتصارًا خارقًا للتفسير الإسرائيلي لمبادرة السلام العربية.
في الحقيقة أنَّ دورة البرلمان العربي في عمان أكَّدت أنَّ هذه الدعاية الأميركية رغم خطورتها لا أساس لها من الصحة، وأنَّ مبادرة السلام العربية التي أقرَّت بالإجماع في قمة بيروت عام 2002، والتي قابلتها (إسرائيل) وقتها بالرفض المطلق، واجتاحت الضفة الغربية ردًّا عليها، وأثبتت أنَّ (إسرائيل) ليست إلّا مشروعا للنيل من كل مرتكزات الأمن العربي، وأنَّ المحاولات الفاشلة الإسرائيلية الأميركية لإعادة تعريف من هو العدو ومن هو الصديق ليست سوى أوهام أو مجرد بثور عاجزة على الجسد العربي تظهر وتتساقط كأن لم تكن، وأنَّ القضية الفلسطينية والحقوق والثوابت الفلسطينية ليست مصاعب وأعباء بالنسبة للأمة العربية بل هي وعد حقيقي بأن هذه الأمة رغم ما أصابها إلّا أنَّها ند حقيقي في العالم يجب أن نشارك في صياغته، وأنها أمة لها ميراثها الحضاري، ولها حضورها ومصالحها وكرامتها، وليست أشلاء يمكن استخدامها في صراعات وطموحات الآخرين.
دورة البرلمان العربي في عمّان، قامت بتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، رفضت التطبيع، وكرَّست مفهومها الثابت عنه وشروطها الموضوعية لتحقيقه، إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة بالعدوان الآثم، في الضفة الغربية والقدس، والجولان السوري، وآخر الأراضي العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم حسب القرار 194 استنادًا إلى اتفاق متفق عليه، وهذا الموقف الذي اتخذه البرلمان العربي في دورة عمان اتَّسم بالانفكاك النهائي من أسلوب المجاملات التقليدية، والسكوت عن الحق، والاكتفاء بالنظر إلى ما لا يتجاوز أرنبة الأنف، وأن البرلمان العربي هو المعبر الأكثر التصاقا بقضايا الأمة وفي طليعتها الشعب الفلسطيني وحقوقه وثوابته التي يعتبر التمسك بها والدفاع عنها الطريق الوحيد والجهد الرئيسي لتكون أمتنا كاملة الحضور.
تحية للبرلمان العربي بكل رجالاته الشجعان، ولنُجدّد الثقة بأنفسنا بأن اللعبة السياسية المشتركة بين الحليفين نتنياهو وترامب لن تنجح في إبعادهما عن حتمية السقوط.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها