الفلسطيني داخل الأرض المحتلة ربما هو الوحيد في العالم الذي يحسب ألف حساب لسفره للخارج وتنقلاته الداخلية. فإلى جانب أنه يكاد يكون مستحيلا لفلسطينيي قطاع غزة، فإن الفلسطيني في الضفة يصاحبه القلق عندما يقرر السفر، سواء بمواعيد فتح وإغلاق معبر الكرامة (جسر اللنبي)، وبسبب العراقيل التي قد يواجهها والأهم تكلفة السفر والتي يدفعها أكثر من أي مسافر آخر.

أمّا القلق الأكبر فهو في التنقل الداخلي، أي بين المدن الفلسطينية بسبب الحواجز وإجراءات الاحتلال الاسرائيلي، وهناك حواجز بعينها عندما يتم ذكرها أمام الفلسطيني يصاب بالغثيان، ومنها حاجز زعترة، الذي يمر منه الفلسطينيون لشمال الضفة، وحاجز حوارة على مدخل نابلس الجنوبي، وحاجز الكونتينر للذين يسافرون جنوباً لمحافظات بيت لحم والخليل، كل هذه الحواجز وغيرها هي مصدر قلق ورعب للفلسطينيين.

القلق، بل الصداع الأكبر، هو الذي يسببه حاجز قلنديا المدخل الشمالي للقدس، الجنوبي بالنسبة لمحافظة رام الله والبيرة، فهذا الممر الإجباري للمسافرين جنوباً وشمالاً أشبه بالجحيم، فالفلسطيني يمكن أن يمضي من أربع إلى خمس ساعات في مسافة لا تتعدى الـ300 متر، وسط حالة مجنونة من الفوضى والتلوث البيئي، انه شيء لا يقود للاختناق والغثيان فحسب إنما يجعلك تفكر بالموت لأنه ارحم بكثير.

كيف تحولت قلنديا إلى عنق زجاجة خانق بل وقاتل؟

خلال الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في أيلول/ سبتمبر 2000 "انتفاضة الأقصى" وضعت سلطات الاحتلال مئات الحواجز وأغلقت مئات الطرق لخنق الفلسطينيين ضمن سياسة العقاب الجماعي، ومن أبرز هذه الحواجز، حاجز قلنديا الذي تحول إلى معبر يفصل القدس تماما عن محيطها الفلسطيني، منطقة هذا الحاجز، وهي بالفعل تشبه عنق الزجاجة، تحولت إلى جحيم حقيقي، فإلى جانب أنها إحدى نقاط الاشتباك الدائم مع جيش الاحتلال، فإنها تركت عن عمد لتعمها الفوضى غير الخلاقة لتصبح قطعة من الجحيم.

المشكلة أنّ لا سيطرة للسلطة الوطنية عليها، وبالمقابل تعمدت سلطة الاحتلال الإسرائيلي لجعلها جحيمًا. ومما زاد من المأساة الكيفية التي يتعامل بها الناس أنفسهم باعتبارها منطقة خارج أي قانون وأي سلطة.

الأسبوع الماضي سررت بقرار مجلس الوزراء البحث عن حلول لعنق الزجاجة الخانق هذا. اعرف أنّ محاولات كثيرة جربت في السابق، جميعها مع الأسف لم ينه المأساة التي تستهلك حياتنا وزمننا وأعصابنا، الذي أعنيه نحن بحاجة لحلول جذرية لهذه المشكلة المستعصية وليس حلولا تجميلية أو مؤقتة، من دون شك أنّ الحل الجذري هو زوال الاحتلال وحواجزه، ولكن إلى أن يحين تحقيق هذا الهدف فالناس بحاحة إلى حلول تجعل من حياتهم اسهل، بمعنى قد نحتاج إلى فتح طرق بديلة أو فتح أنفاق أو بناء جسور.

قد لا يستجيب الاحتلال، وهذا أمر شبه حتمي، لذلك لابد من الاستعانة بالضغوط الخارجية، خاصة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لفتح مثل هذه الشوارع، ولكن من الآن وحتى تحقيق ذلك على الجميع التعاون للتخفيف من الأزمة بألا نخنق بعضنا بعضا، ومن جهة أخرى أن تضاعف السلطة من زيادة عدد المتطوعين الذين يساعدون السيارات على تنظيم مرورها.