اعتادت حكومة الاحتلال أن تضع قائمة بالممنوعات التي يحظر التعامل بها مع الفلسطينيين، والقائمة تقبل المد ولا تقبل الجزر، وإذا تحررت احداها من قيود القائمة السوداء عادت إليها بعد فترة وجيزة، وقائمة الممنوعات تحمل من التناقض ما يعجز عن فك طلاسمه علم "اللوغاريتمات"، وكلها دون استثناء كأنها تمسك بلجام بقرتهم المقدسة "الأمن"، ولديهم الأمن والسياسة توأم سيامي لا انفصال لها، تبريراتهم عادة ما تحمل النكهة الأمنية وحقيقة الأمر أن النكهة السياسية تطغى حتى وإن حاولوا حجبها.
كيس الأسمنت لم يعد يتسكع على الأرصفة، تحول بقدرة قادر إلى قائمة الممنوعات، لم يشفع له أصوله المختلفة ولا قوامه غير المتماسك، هل يدخل في مكوناته حليب العصفورة التي تناولته خراريف الماضي فأصبح الحصول عليه درب من الخيال؟، وهل يمكن للنكهة السياسية أو الأمنية أن تغير من شكله وقوامه؟، هل تحولت علاقته بالتطور العمراني إلى تهمة تلاحقه وتمنع تداوله؟، أليس من المضحك أن يقتنص الرئيس الفرنسي السابق فرصة لقائه برئيس حكومة الاحتلال ليطلب منه السماح بمرور كيس الاسمنت، لإصلاح مستشفى القدس الذي دمرته قوات الاحتلال اثناء عدوانها على غزة؟، هل يمكن لشاعر أن يتغزل بكيس اسمنت؟، لدينا احتضانه تحول إلى طرب أصيل على أنغام موسيقى البناء.
ما زالت حكومة الاحتلال تمنع أنابيب الصرف الصحي المنتجة في مصانعها من الوصول إلى غزة، الأقطار الكبيرة للأنابيب تهدد أمنها، هذه روايتهم، لا يريدون لمكونات الصرف الصحي أن تتحول إلى مدفع عملاق أسوة بمدفع العراق الذي جند التحالف الغربي قواه لتدميره، حتى الصرف الصحي لا بد وأن يضعوا عليه نكهتهم الأمنية أو السياسية.
عشرات المرضى ممن هم بين الحياة والموت أجبروا على العودة من حيث أتوا، لأن تحويلاتهم المرضية تحمل في ترويستها "دولة فلسطين"، مؤكد أن المنع جاء هذه المرة بنكهة سياسية صرفة، حيث جواز مرور المرضى لتلقي علاجهم مرتبط بشطب الكلمة، لا يريدون لكلمة دولة أن تتسلل إليهم ولو عبر ورقة تحمل من عذابات وآلام صاحبها ما يجعل همه يقتصر على مداواة مرضه.
الرياضة هي الأخرى لم تسلم من نكهة الاحتلال السياسية والأمنية، تنظيم مباريات لمنتخباتنا الرياضية على أرضنا المحاصرة فيه تهديد لوجودهم، أن تعزف النشيد الوطني في مقدمة لقاء كروي مع فريق دولي يعني أنك موجود، وهم لا يريدون لهذا الوجود المعنوي أن يكون.
كل شيء يخضع لمعيار نكهتهم السياسية والأمنية، لم يفلت من براثن ممنوعاتهم سوى الشيبسي، نخشى أن يجدوا يوما ما علاقة بينه وبين تشي جيفارا فيدخل قائمتهم السوداء، ولن ينفع حينها تدخل المواد الحافظة.
طلبت من عامل المقهى أن يحضر لي كأساً من "الكابوتشينو"، سجل ذلك في ورقته الصغيرة وسأل هل تريدها بنكهة؟، نظرت إليه فاعتقد أنها تحمل علامة الاستيضاح، قال لدينا نكهة الكاراميل والفانيلا والبندق، انتظر قليلاً كي انتقي واحدة منها، قلت له دون نكهة.
دون نكهة / بقلم اسامة الفرا
17-02-2014
مشاهدة: 2071
اسامة الفرا
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها