تقرير: عماد فريج
جاءت قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في ختام دورته العادية الثلاثين، مساء الاثنين، على قدر التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية وخاصة "صفقة القرن"، ومحاولات فصل قطاع غزة بعيدا عن الوطن، وجرائم الاحتلال المستمرة.
خطورة المرحلة التي يعيشها مشروعنا الوطني، فرضت على المجلس المركزي اتخاذ قرارات حاسمة على كافة الأصعدة، السياسية والقانونية والاقتصادية، في ظل تنكر سلطة الاحتلال لكافة الاتفاقيات، مدعومة بإدارة أميركية منحازة لها، ومجتمع دولي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم عندما يتعلق الأمر بحقوق شعبنا، ومؤامرات خارجية وداخلية تستهدف تدمير مشروعنا الوطني وتصفية قضيتنا الفلسطينية.
المجلس المركزي، جدد التأكيد، بصورة لا ريب فيها، أن الهدف المباشر لشعبنا يتمثل بإنهاء الاحتلال واستقلال دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967، وذلك تنفيذًا لقرارات المجالس الوطنية السابقة بما فيها إعلان الاستقلال عام 1988، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بما فيها قرار الجمعية العامة (19/67) بتاريخ 29/11/2012، والتمسك بضمان حق شعبنا في تقرير المصير والعودة استنادًا للقرار الأممي 194.
وكان الرئيس محمود عباس قد قال في كلمته أمام المجلس: "لقد سبق واتخذنا القرارات في مجالسنا السابقة فيما يتعلق بأميركا والاحتلال وحركة حماس وآن الأوان لتنفيذها، لأنهم لم يتركوا للصلح مكانا، ولم يتركوا أي طريق للوصول إلى مصالحة أو تسوية أو إلى غير ذلك، ونحن لم نعد نحتمل، لكنها قرارات خطيرة وكل إنسان منكم يجب أن يضع يده على قلبه وعلى ضميره، ولا يخضع لابتزاز ولا مساومة ولا ضغط ولا يخضع لأي شيء، أنتم أمام لحظة تاريخية يجب أن تنتبهوا إليها جيدًا، فإما أن نكون أو لا نكون فماذا تختارون؟".
وتتولى مسؤولية تنفيذ قرارات المجلس المركزي، لجنة عليا شكّلها الرئيس تتكون من أعضاء من اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح وشخصيات وطنية ومن الأمن والحكومة.
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، إن المجلس المركزي اتخذ قرارات مصيرية وحاسمة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وعلى صعيد المصالحة الفلسطينية، موضحًا أن هناك تسعة وستين مجالا في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية نتج عنها ثماني اتفاقات موقعة مع اسرائيل منذ العام 1993 وحتى العام 1999، واللجنة التي كلفت ستأخذ بعين الاعتبار كل هذه المجالات والنقاط بعين الاعتبار.
وشدد عريقات على أن اللجنة الوطنية العليا التي شكّلها الرئيس ستبدأ بتنفيذ كل القرارات دون استثناء في كل المجالات بشكل تدريجي، ما يدل على الجدية المطلقة التي يوليها سيادته للبدء بالتنفيذ، "ولن يكون هناك قفز في الهواء لأن المسائل لا تتعلق بشعارات".
وفيما يتعلق بالقرارات المتعلقة بالمصالحة وإنهاء الانقسام، قال: هناك مشروع أميركي- إسرائيلي، يقوم على أساس فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية بما فيها القدس لضرب المشروع الوطني الفلسطيني على اعتبار ذلك نقطة ارتكاز رئيسية لقانون القومية العنصري وضرب إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
وأكد أمين سر اللجنة التنفيذية ان القيادة تسعى للحفاظ على قطاع غزة منبت الوطنية الفلسطينية كجزء لا يتجزأ من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة إلا أن الأسلوب المستخدم من قبل حركة حماس يدل انها تسير باتجاه الفصل.
وطالب حركة حماس بتنفيذ اتفاق القاهرة الذي تم التوقيع عليه العام الماضي لتحقيق المصالحة، مشددًا على ان نقطة ارتكاز وهدف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الآن هو فصل الضفة عن قطاع غزة تنفيذًا لما يسمى ب"صفقة القرن".
وتوجه عريقات بالسؤال لحركة حماس: "ما دامت وقعت على الاتفاق بتاريخ 12-10-2017 لماذا لا يتم تنفيذه من قبلهم بشكل شمولي، وقلنا بأن الاتفاق يقود الى شراكة سياسية ويبدأ الاتفاق بتمكين الحكومة من تلبية جميع احتياجات أهلنا في قطاع غزة أسوة بما تقوم فيه بالضفة".
وأشار إلى أن المسائل لا تتعلق بالشعارات الزائفة التي تطلقها حماس والاكاذيب والتشويش والاتهامات واستخدام الدين والمقاومة، مشددا على أن استمرار الانقسام أدى إلى اعتقاد إدارتي ترمب ونتنياهو بأنه آن الأوان لتدمير إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وأضاف أن حماس تصر على تجزئة الاتفاق من خلال كهرباء ومياه وتقاعد، موضحًا أن الاتفاق حل جميع القضايا وحددها للحفاظ على قطاع غزة كأرض وجزء من فلسطين عكس حماس التي تسعى دائما الى الفصل عبر إفشال جميع الاتفاقات التي تم توقيعها لإنهاء الانقسام.
من جانبه، أكد الخبير القانوني حنا عيسى في حديث ل "وفا" أن قرار المجلس المركزي بإنهاء التزامات المنظمة والسلطة الوطنية كافة مع سلطة الاحتلال وفي مقدمتها تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل، يستند إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومضمون الاتفاقيات الموقعة، مشيرًا الى أن ما قرره المجلس المركزي بالأمس والمجلس الوطني قبل أشهر يعكس موقف منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا.
وأوضح عيسى أن إسرائيل رفضت الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة والذي كان من المفترض أن يتم
في 4/5/1999 تاريخ انتهاء اتفاقيات أوسلو، ولا تريد ان يعترف بنا العالم كدولة، وبالتالي اعترافنا ببعضنا البعض سنة 1993 كان من الطرف الفلسطيني دون الطرف الإسرائيلي.
وأضاف: "نتيجة المتغيرات الإقليمية والدولية وعدم استجابة الجانب الإسرائيلي للاتفاقيات الموقعة يأتي قرار المجلس المركزي بإعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل على قاعدة التعامل بالمثل، وهذا حقنا القانوني".
وتابع: "كما نعترف نحن بإسرائيل، على إسرائيل أن تعترف بنا، وإلا لماذا المفاوضات ستجري بيننا مجددًا".
ولفت عيسى إلى أن اللجان التخصصية التي سيشكلها الرئيس باعتباره المفوض من قبل المجلس المركزي في كل الملفات، ستحدد مصير كل علاقة مع الجهات الثلاث: إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وحماس، موضحًا أن التطبيق الفعلي للقرارات يبدأ بعد اكتمال الدراسات التي تجريها اللجان، والتي ستحكم على آلية تنفيذ هذه القرارات من عدمها.
وعلى صعيد الانفكاك الاقتصادي على اعتبار أن المرحلة الانتقالية وبما فيها اتفاق باريس لم تعد قائمة، قال مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية ورئيس صندوق الاستثمار محمد مصطفى، إن الجانب الفلسطيني موحد في موقفه نحو الاتفاقيات التي تنظم العلاقة الاقتصادية والمشار إليها بالعادة "باتفاق باريس"، ويرى الجميع ضرورة وقف العمل بالاتفاق، ليس فقط لاحتوائه بنودًا مجحفة بحقنا؛ ولكن أيضًا بسبب قيام الاحتلال بتدمير مفهوم "الاتحاد الجمركي" (بما يتبع ذلك من حرية حركة البضائع والعمال وتوحيدٍ لنسب الضرائب) الذي قام عليه الاتفاق، بعد أن أرسى الاحتلال منظومة سيطرةٍ منيعة لتقف في طريق أي تقدم اقتصادي فلسطيني.
وفي مقال له بعنوان "الانفكاك الاقتصادي والبناء الوطني في فلسطين"، أشار مصطفى إلى أن منظومة السيطرة التي أقامها الاحتلال والتي ضربت "اتفاق باريس" في صميمه شملت عناصر عديدة، ومنها: عزل القدس، وفصل غزة عن الضفة وحصارها، واستمرار وتوسيع الاستيطان في الضفة، والسيطرة على كافة المعابر الخارجية، والسيطرة على الموارد الطبيعية، واستمرار فرض القيود على الاستثمار في المناطق المصنفة (ج)، وبناء جدار الفصل العنصري الذي صادر مساحات شاسعة من الأراضي وأطبق على ما تبقى من الاتحاد الجمركي.
وأضاف: "شكّلت هذه الاجراءات في الحقيقة تنكرًا فعليًا من إسرائيل للاتفاق. لذلك، يجب الاّ يجد الجانب الفلسطيني أي غضاضة في تجاوز ما يراه مناسبا من اتفاق باريس أو عمل ما يستطيع خارج هذا الإطار".
ويرى مصطفى أن هناك عددا من الإجراءات التي يمكن الذهاب إليها، ومنها: الاستغناء التدريجي عن استعمال العملة الإسرائيلية، واللجوء للاستيراد المباشر للبضائع من الدول الأخرى، وفرض برنامج حماية للمنتج الفلسطيني اليافع ومحاربة سياسة إغراق السوق الفلسطينية، والسعي لتطبيق نظام الترانزيت على البضائع المستوردة من خلال اسرائيل والتخليص الجمركي المباشر من قبل الجمارك الفلسطينية، وتطبيق نظام صارم ضد التهرب والتسرب الضريبي على الاستيراد غير المباشر من إسرائيل.
وأكد "إن تعاونًا وتكاملاً وطنيًا بين كافة المؤسسات ذات العلاقة في فلسطين وفِي الشتات، والداعمين لها، كفيلٌ بإحداث تغيير مؤثر ودحر علاقة التبعية، وخلق البيئة الداعمة للنضال الوطني الشامل والهادف للوصول الى كافة الحقوق الوطنية وتحقيق الاستقلال الوطني".
بدوره، أكد المحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم، في حديث لـ "وفا" إنه يمكن الاستغناء عن برتوكول باريس الاقتصادي وتحقيق استقلال اقتصادي، وقرار المجلس المركزي بالانفكاك الاقتصادي مرتبط بإنهاء التبعية الاقتصادية.
وأوضح بأن ذلك يأتي بالممارسة من قبل المواطنين أولا، لأن التبعية الاقتصادية فرضت بإجراءات وسياسات عمل على الأرض من قبل الاحتلال، لافتًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ قرارًا باتباع الاقتصاد الفلسطيني لها بل وضعت أسسا للسيطرة عليه، لذلك علينا البدء بالعمل على تطبيق قرار المجلس المركزي بوضع إجراءات على الأرض تقضي على قاعدة الاحتلال القائمة على هيمنتها على الاقتصاد.
وأضاف إن قرارات المركزي تلزم الحكومة بإعادة صياغة وهيكلة الاقتصاد الفلسطيني والعمل على فكفكة تدريجية للاقتصاد الوطني عن الاقتصاد الاسرائيلي، وصولا لاقتصاد فلسطيني مستقل وغير قابل للسيطرة عليه من قبل الاحتلال.
وأوضح أنه يجب أن نخلق نقاشًا جديدًا وحوارًا كبيرًا حول الخيارات الاقتصادية الممكنة للخلاص من الاحتلال الاقتصادي الذي نتعرض له، في سبيل إعادة الهيبة والاحترام لاقتصاد فلسطيني قادر على حمل الدولة، ويجب على الحكومة تبنى سياسات اقتصادية واجتماعية للنهوض بشكل تدريجي باقتصادنا وفكفكته عن اقتصاد الاحتلال.
وأوضح عبد الكريم أن تجميد العمل في اتفاق باريس وإعادة النظر به هو واقعي جدًا ومطلوب، وبنص الاتفاق نفسه يجوز مراجعته من خلال لجنة مشتركة، والسبب الثاني أن هذا الطرح لن يحدث تبعات لأن اتفاق باريس معطل، و95% معطل من قبل إسرائيل بفعل سلطة الاحتلال التي أبقت على بعض النصوص التي تخدمها والتي ترى أنه يجب أن تبقى ولا تخلق لها إشكالية ولا تؤدي لتحرير الاقتصاد الفلسطيني من قبضتها، فهي تريد اقتصادا فلسطينيا منتعشا ولكن غير مستقل وغير متحرر من هيمنة الاحتلال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها