بقلم: علي حبيب الله
ما بين قريتي جسير وكراتيا، وعلى بعد 41 كيلومترًا إلى الشمال الشرقيّ عن مدينة غزّة تقع قرية حتّا، وبعضهم يلفظ اسمها بكسر الحاء حتّا. كانت مساحة القرية وأراضيها تمتدّ على نحو 5305 دونمات، وتصل حتّى بيوت قرية الجلديّة، فالقرية تحدّها من الشرق قرية جسير على بعد 2 كيلومترًا أكثر قليلاً، فيما قرية صميل تقع إلى الشرق من هذه الأخيرة.
أمّا من جنوب قرية حتّا، فتقع الفالوجة على بعد 2 كيلومترًا، بينما من غربها الجنوبيّ تقع قرية كرتيا الّتي تبعد عن حتّا مسافة أقلّ من 1 كيلومتر، لذا اقترنت القريتان ببعضهما بحسب الحاجّ محمّد الطويسي فقيل "حتّا وكرتيا". والأراضي الّتي كانت تفصل حتّا عن السوافير كانت أشهرها أرضًا ممتدّة بين القريتين يطلق عليها اسم "أرض القاعة" وظلّ السامر في أعراس حتّا، يردّد قول أهالي القرية "وعبطناهم أرض القاعة.. بسيوفنا اللمّاعة"، في إشارة إلى قيام أهل حتّا بإلزام أهالي السوافير القبول بتطويب أرض القاعة باسم أهالي السوافير، في الوقت الّذي كان يتجنّب فيه الفلّاحون تسجيل الأراضي بأسمائهم في نهايات القرن التاسع عشر.
وممّا يذكره إبراهيم سكيك صاحب موسوعة "غزّة عبر التاريخ" في اسم قرية حتّا، بأنّه فيه تشابه مع الحثّيّين الّذين غزوا البلاد قبل 32 قرنًا من الزمان. بينما مصطفى الدبّاغ صاحب موسوعة "بلادنا فلسطين" يحيل اسم القرية حتّا إلى اشتقاقه من قبيلة "الحتّ" الّتي نزلت تلك الناحية. أو "الحثّ" الكِنْدِيّة العربيّة بحسب الخالدي في كتابه "كي لا ننسى" والّتي تعود أصولها إلى نَجَدْ في وسط الجزيرة العربيّة، إذ أقامت القبيلة مضاربها في موقع القرية في نهاية القرن الخامس للميلاد. فيما وجد آخرون باسمها بحسب سكيك على أنّه سريانيّ الأصل ومعناه "الجديدة أو الحديثة البنيان".
بينما صاحب كتاب "إتحاف الأعزّة في تاريخ غزّة" الشيخ عثمان الطباع باسمها حتّا نسبة إلى الأمير "شمس الدين آقسنقر" وهو من الأمراء بدولة الملك الناصر محمّد بن قلاوون. دون أن يبيّن الطباع الرابط بين اسم الأمير والقرية. وقد أشار الجغرافيّ العربيّ ياقوت الحمويّ في كتابه باسم "حتاوة"، ويذكر كذلك بأنّها كانت مسقط رأس العلّامة المسلم عمرو الحتاوي.
- معالم وعوالم
وقال الخالدي: إنّ بيوت القرية الّتي ظلّت مبنيّة من الطوب، كانت تتشابك فيما بينها على شكل مستطيل، وقد أشار إليها الرحّالة وعالم التوّارة إدوارد روبنسون، حين مرّ بها في سنة 1838. بينما يؤكّد الحاجّ محمّد الطويسي في مقابلته، على أنّ بيوت القرية قامت على مساحة تقدّر بنحو 90 دونمًا كما ظلّ يتذكّر.
وممّا يرويه الطويسيّ، بأنّ قريته حتّا كانت تتميّز بطرز معماريّ لم تعرفه أيّة قرية أخرى في ريف غزّة، لناحية اصطفاف بيوتها في أزقّة تحاذي بعضها، يبدأ كلّ زقاق من طرف القرية متّجهًا إلى مركزها، ولكلّ بيت في آخر زقاق من الأزقّة طاقة مفتوحة فيه على شكل نافذة تطلّ على أوّل بيت في الزقاق المجاور. ويفسّر الطويسي ذلك التقليد المعماريّ، على أنّه تقليد متّصل بالأمن الاجتماعيّ ما بين سكّان القرية، الّذي كان يعبّر عنه من خلال طريقة بناء بيوت وأزقّة القرية، فإذا ما ألمّت ملمة أو مكروه بسكّان القرية يخبر فيها أصحاب البيوت على رأس الأزقّة بعضهم البعض عبر تلك الطاقات المفتوحة. وقد ذكر الطويسيّ أسماء تلك الأزقّة بحسب أسماء العائلات الّتي كانت تسكنها، مثل: زقاق دار يحيى، زقاق دار ياسين، زقاق دار جمعة، زقاق دار لافي، زقاق دار فريد، زقاق دار غانم، زقاق آل شبانة، وزقاق دار حمدان، وغيرها. وبالتّالي، كان يمكن التعرّف إلى عوائل وحمائل القرية من خلال أسماء أزقّتها.
كما أنّ حتّا كان فيها حارتان أو حيّان أساسيّان تنقسم عليهما بيوت وأزقّة القرية، هما: الحيّ الشرقيّ والحيّ الغربيّ. واللافت أنّ أهالي حتّا، كانوا يطلقون اسم "الحارّة" ليس على الحيّ بالدرجة الأولى، إنّما على المضافة، فهذه الأخيرة تسمّى حارّة في عامّيّة أهالي حتّا، وكان لكلّ عائلة في القرية حارّتها الخاصّة فيها أيّ مضافتها الّتي يتجمّع فيها أبناء العائلة لاستقبال ضيوفهم، أو لتداول شؤونهم فيها، وكذلك للسهر وقتل الوقت فيها. وممّا يذكره الحاجّ الطويسيّ في مقابلته عن تلك المضافات (الحارات) بأنّها كانت تعجّ بالزوّار والضيوف في مساء كلّ يوم أربعاء ليلة الخميس إلى حدّ كان يبيت في القرية في تلك الليلة ما لا يقلّ عن 200 شخص من خارجها، وهؤلاء هم وافدو سوق الفالوجة الّذي كان يقام في كلّ يوم خميس من الأسبوع، فكانوا يتوافدون إلى الفالوجة والقرى المحيطة بها قبل بيوم من السوق استعدادًا له، وكانت حتّا من أكثر القرى المستقبلة في حاراتها لهؤلاء المتسوّقين.
في حتّا، كان جامع وبئر، أهمّ ركنين متجاورين لقيام أيّ قرية في ريف غزّة، حيث اعتمد سكّان القرى فيه على ماء الآبار، وبالتّالي لكلّ قرية بئر تسمّى عادة "بير البلد" وتجاور جامع القرية بغرض توفير مياه الوضوء والاغتسال والشرب طبعًا. وقال الطويسي: كان جرّ الماء من البئر، يتمّ بواسطة جمل يدور بشكل دائم حول البئر، وينشل الماء بدلاء جلديّة مصنوعة من جلد الجمل أيضًا، ويشرف على عمليّة جرّ أو نشل الماء شخص يطلق عليه البياريّ. غير أنّ المعلّم الأهمّ والأشهر في حتّا، كان الزاوية الخلوتية فيها، وهي أشهر وأقدم في بنائها من جامع القرية الّذي انبثق عنها، ومؤسّس الزاوية وطريقتها الخلوتيّة كان الشيخ خير الشريف بحسب ما يذكره الحاجّ الطويسي. كما كان في داخل جامع حتّا مقام ضريح الشيخ عمران.
- احتلال القرية
احتلّت قرية حتّا عام النكبة في أثناء عمليّات لواء غفعاتي على الجبهة الجنوبيّة، خلال الأيّام العشرة بين الهدنتين 8-18 تمّوز/يوليو 1948. وقد أشار المؤرّخ الإسرائيليّ بني موريس إلى سقوط حتّا في تاريخ أبكر قليلاً أي في 14-15 تمّوز/يوليو.
وقد جاء في رواية "تاريخ حرب الاستقلال" ما يلي: "اقتحمت حتّا سريّة من الكتيبة 3 غفعاتي، بعد إطلاق نار مركز ولفترة وجيزة، وفّرّ الجيش المصريّ منها". وقد دعت أوامر العمليّات إلى طرد المدنيّين بحجّة "منع تسلّل العدوّ". هُجِر أهالي حتّا منها، لتظلّ بيوت القرية مبعثرة لعقود من الزمن بين أشجار الجميز والصبّار. وقد أقيمت على أراض القرية مستعمرة "زفديئيل" عام 1950. كما أسّست مستعمرة "ألوما" غربيّ موقع القرية في سنة 1953.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها