تشهد الساحة اللبنانية صراعا مفتوحا من خلال لبوسها ثوب العمليات الارهابية ضد مراكز وقيادات تياري 8 و14 آذار وغيرها من القوى السياسية الناشطة على الساحة، بهدف تعميق الهوة والانقسام بين الكتل والقوى المختلفة، والحؤول دون خروج لبنان من دوامة العنف والعنف المضاد، مع امكانية صب الزيت على الجمر المتقد تحت الرماد.
وللاسف ان المخيمات الفلسطينية ليست بعيدة عن تلك النيران، لا بل ان العديد من القوى الدولية والاقليمية والمحلية، تعزز وجودها عبر تفريخ جماعات تكفيرية داخل المخيمات، لا تقتصر عند حدود جماعة "فتح الاسلام" و"عصبة الانصار" و"الاحباش" و"انصار الشام" وجماعة "احمد الاسير" بل دفعت بـ "داعش" و"القاعدة" وفرعها "النصرة"، وذلك لتخوض حروبها بالوكالة ضد خصومها. ولعل الهدف المعلن والابرز من عملية تفريخ الجماعات التكفيرية ذات الخلفية "السنية"، هو محاربة "حزب الله"، وتقليم اظافره ليس في المخيمات، انما في المناطق المحيطة بها، فضلا عن استخدام عناصر تلك الجماعات في تنفيذ العمليات الارهابية، وما كشفت عنه العمليات الارهابية، التي تمت ضد مراكز ومؤسسات حزب الله في الضاحية الجنوبية، تشير الى ان بعض العناصر كان من التابعية الفلسطينية، الذين ارتبطوا بتلك الجماعات وبحركة حماس على حد سواء، رغم نفي قادة الحركة في لبنان أي صلة بهم.
واذا افترض المرء، ان الهدف المعلن، هو حزب الله والنظام السوري وامتداداته وايران ومصالحها في لبنان، فان الاهداف الأبعد والاخطر، تكمن في العبث بمصير المخيمات الفلسطينية جميعها في لبنان من الجنوب الى بيروت الى البقاع الى الشمال، لا سيما وان عناصر تلك الجماعات التكفيرية، باتت موجودة فعلا في مخيمات عين الحلوة والمية ومية والرشيدية وبرج البراجنة وشاتيلا والبقاع والبارد والبداوي، لوضعها على مقصلة التصفية والتهجير والترحيل مترافقة مع ما يطرح من افكار اميركية واسرائيلية واوروبية وغيرها من اهل المنطقة العربية باسقاط حق العودة، وشطبه كليا.
ومن يعود لحرب واهداف مخيم نهر البارد ايار 2007، التي لم تنته ذيولها حتى الان، يدرك، ان تلك الحرب المسعورة، استهدفت تصفية المخيم وتهجير أبنائه، لكن تلك الاهداف لم تنجح تماما. ما استدعى من قوى الشر الاسرائيلية والاميركية ومن يسير في فلكهم من العرب اعادة استحضار السيناريو بادوات جديدة / قديمة، هي جماعات تكفيرية، التي تدعي زورا وبهتانا، انها تريد الدفاع عن المخيمات والقدس والمقدسات الاسلامية، من خلال ضرب حزب الله وسوريا النظام والنفوذ "الشيعي". غير ان المخيمات والمقدسات وفلسطين والدين الاسلامي براء من تلك الجماعات، لانها ليست اكثر من اداة تدمير وتمزيق لوحدة ابناء الشعب الفلسطيني في لبنان، ووضعهم في "بوز المدفع"، للعب دور الوكيل عن القوى التي تستهدف الوجود الفلسطيني، وضرب دوره الحيادي الايجابي، الذي شقه الرئيس محمود عباس، للنأي بالمخيمات وابناء الشعب عن أي منزلقات خطرة تمس سيادة واستقلال لبنان. هناك اهداف اخرى، ما زالت مطروحة، منها اقامة قاعدة عسكرية اميركية في القليعات القريبة من طرابلس، المتاخمة للحدود السورية اللبنانية؛ وحماية أمن اسرائيل.
الخطر الداهم والجاثم على المخيمات وفي قلبها، يحتاج الى تحرك فلسطيني سريع من قبل قيادة منظمة التحرير، تتمثل في: اولا تعزيز دور ومكانة حركة فتح في المخيمات عبر آليات مغايرة لما هو قائم الان، وبالتالي تعزيز وتكريس وجود منظمة التحرير وفصائلها والتصدي لتلك الجماعات التكفيرية، ودحرها من المخيمات كلها، وعقد اتفاقات مع الدولة اللبنانية والقوى المتضررة من تلك الجماعات لبلورة عمل مشترك لتصفية ممثليها ومراكزهم وتجفيف نفوذها نهائيا، وحماية العلاقات الاخوية مع الشعب اللبناني بقواه ومشاربه المختلفة، وتعزيز مكانة الدولة اللبنانية، ولكن دون بقاء دبابات جيشها على بوابات المخيمات تحاصرها، كأنها سجون.