تحتدم المعركة حول المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، حيث الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو يتشرنق حول نفسه، يتحصن بالعربدة، بلعبة حافة الهاوية، باطلاق المزيد من الاتهامات والتهديدات ضد القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس ابو مازن، ويواصل جنون الاستيطان، ويتشبث بما يمكن تسميته البدع المستفزة مثل بدعة الامن ويهودية الدولة، ويحاول احراق الوقت دون جدوى، ويراهن على ارتباك الوضع العربي، وعدم قدرة الادارة الاميركية على الدفاع عن مقولاتها الرئيسية واهمها حل الدولتين.
الى أين يقود ذلك كله ؟
بالتأكيد هذا السلوك الاسرائيلي اذا استمر على هذا النحو، سوف يضاعف من عوامل الاحتكاك السلبي والتدهور الامني، ويجعل الابواب مفتوحة أمام موجات من العنف، لأن فشل المفاوضات مع استمرار الاستيطان واستمرار العربدة سوف يخلق موضوعيا حالة مواتية للعنف.
والأكثر اثارة ان المبادرات التي تقدمها القيادة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات من أجل التقدم نحو الحل النهائي المتمثل بانهاء وجود الاحتلال، تعامل من قبل الحكومة الاسرائيلية بسلبية شديدة، بل تعامل بنوع من الاستفزاز، وكأن هذه الحكومة الاسرائيلية لا تملك وسيلة أخرى ولا رؤية اخرى، وكأنها تقول (أنا أو الطوفان) ولذلك فإن فكرة انهيار هذه الحكومة اصبحت واردة، واصبحت هي الأقرب الى الخلاص، فعندما تكون الحكومة الاسرائيلية عاجزة عن التقدم الى الأمام، وعاجزة عن التعاطي مع المبادرات الفلسطينية ومصرة على رفض الرسائل الاوروبية العديدة ورسائل المجتمع الدولي، فانها لن تكون طرفا في اي معادلة سياسية، وربما لا يكون أمامها سوى الذهاب الى انتخابات مبكرة، فاما ان يعود نتنياهو بتفويض جديد وقوي، وإما ان يثبت المجتمع الاسرائيلي ان لديه بدائل وخيارات أخرى.
فلسطينيا نحن لم نقف مكتوفي الأيدي أمام ضيق الأفق الاسرائيلي بل تحركنا في مجال المبادرات حين طرح الرئيس ابو مازن فكرة قوات دولية، قوات الناتو تحديدا للحفاظ على الحالة الأمنية من خطر الانفجار ولتهدئة الهواجس الاسرائيلية، كما تضمنت المبادرة ان يأخذ الانسحاب الاسرائيلي من حدود الدولة الفلسطينية المدى الزمني الملائم، خمس سنوات، وقد كان هذا الطرح بمثابة انقاذ للجهود الاميركية ودعم للموقف الاوروبي الذي يتمحور حول عدم شرعية الاستيطان، واتاحة الفرصة للحل بناءً على استمرار المفاوضات في هذه الفترة، ولكن كل ذلك واجهته الحكومة الاسرائيلية بالصخب والعنف وبالشتائم والانكار.
ولكن الغائب الأكبر في هذه المعركة المحتدمة هو الحضور العربي، فأين الحضور العربي؟ ولماذا لا يتقدم التنسيق الفلسطيني العربي لكي يملأ الفراغ؟ علما بأن الحضور العربي ممكن جدا في المجلات السياسية والدبلوماسية والمالية والاقتصادية والعلاقات الدولية، بدل ان يظل العرب يبحثون عن مشاكل وأولويات أخرى، بعيدة أو وهمية يهربون اليها بينما فلسطين تدخل في هذه المرحلة طورا جديدا من الاشتباك.