يوم الأربعاء الماضي عقد حزب العمال البريطاني مؤتمره السنوي لبحث العديد من القضايا القومية والعالمية، واحتلت قضية فلسطين مكانة هامة في أولويات برنامج ومندوبي حزب العمال، أضف إلى أن العلم الفلسطيني، هو الراية الوحيدة، التي سمح برفعها أثناء عقد المؤتمر إلى جانب العلم البريطاني. ولم يكن هذا الاهتمام بالقضية الفلسطينية عفويا، أو مقتصرا على عدد محدود من أعضاء الحزب البريطاني العريق، بل يمكن التأكيد على أن القضية الفلسطينية تحوز على جل اهتمام غالبية الأعضاء ومندوبي المؤتمر، لما للبصمات الإنجليزية من ظلال كثيفة وموجعة على الشعب الفلسطيني، الذي دفع ثمنا غاليا، وغاليا جدا من حريته واستقلاله وتقرير مصيره وكرامته ومستقبله ومستقبل أطفاله بسبب إصدار وعد جيمس آرثر بلفور، وزير خارجية بريطانيا المشؤوم في الثاني من تشرين الثاني1917، الذي منح أتباع الديانة اليهودية "وطنا قوميا في فلسطين"، وعلى أنقاض ونكبة الشعب الفلسطيني، وهو ما تم تكريسه عبر سياسات الانتداب البريطاني على فلسطين منذ مطلع عشرينيات القرن العشرين حتى إقامة دولة الاستعمار الإسرائيلية في أواسط أيار 1948.
ولشعور قطاع واسع من البريطانيين بثقل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم في جريمة العصر، التي استهدفت الشعب الفلسطيني في مقتل، ونتيجة وجود قيادة عمالية يسارية مسؤولة، ورغبة منها في رد الاعتبار النسبي للشعب المنكوب، وللاعتذار عن خطأ تاريخي تمثل بوعد من لا يملك لمن لا يستحق، وليس له صلة من قريب أو بعيد بأرض فلسطين التاريخية، أعلن جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال في مؤتمر الحزب السنوي يوم 26 أيلول 2018 وسط تصفيق وترحيب غالبية أعضاء حزب العمال البريطاني، أن "الحزب بقيادته سوف يعترف بدولة فلسطينية فور وصوله إلى سدة الحكم". ورفض رئيس الحزب اليساري جرائم دولة الاستعمار الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني، خاصة ضد الأطفال على السياج الحدودي في قطاع غزة. كما أكد رفضه بشكل واضح سياسات إدارة ترامب ضد مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة ضد حقوق اللاجئين، الذين طردوا من بيوتهم وديارهم وأراضيهم أثر نكبة العام 1948، وأكد على تمسكه بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.
وتعميقا لما أكد عليه كوربين، تحدث العضو عن دائرة هارلو كولين مونيهان، فقال "أيها المجتمعون في هذا المؤتمر، إذا سكتنا فنحن متواطئون، إن المأساة التي عانى منها الشعب الفلسطيني، ليست قصة تروى، ولكنها حقيقة قائمة حتى يومنا هذا، يجب إلا يترك الشعب الفلسطيني في الظلام، إن قصتهم يجب أن تروى ليسمعها الجميع. لقد قال حكيم في قديم الزمان، أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام. أريدكم اليوم أن تشعلوا شمعة، شديدة الضوء لدرجة أن يرى نورها من هنا وحتى واشنطن، أريد أن أقول امراً للسيد ترامب، أن قطع التمويل عن مؤسسة الأونروا، تلك المؤسسة التي أنشئت من الأمم المتحدة لمساعدة هذا الشعب، الذي ولد مهجرا وفي العراء في مخيمات اللجوء لن تسحق معنوياته، ولن يقضي على تطلعه للعودة إلى دياره." وأضاف "إن نفي الشعب الفلسطيني من وطنه لن يفضي إلى اختفائه، وكأنه كرة ثلج وقعت تحت حرارة الشمس." ... إلخ
ما حمله مؤتمر حزب العمال البريطاني هذا العام يشكل إضافة جديدة ونوعية في مسيرة الحزب، وهو يعكس اتجاها إيجابيا داخل الساحة البريطانية يدعو لمراجعة تاريخية للسياسات الاستعمارية البريطانية، والتي أدت إلى نتائج كارثية ضد الشعب العربي الفلسطيني، مازال يدفع من دمه الحي ثمنا غاليا يفوق كل وصف من حيث الظلم والاستعباد الاستعماري من دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، التي أوجدها وأقامها الغرب الرأسمالي عموما وبريطانيا خصوصا. وبالتالي تسير عجلة التحول الإيجابي في المواقف البريطانية عموما وحزب العمال خصوصا بخطى بطيئة، ولكنها ثابته للاعتراف بالظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني، وهو ما يتطلب أولا وقبل كل شيء الاعتراف بدولة وحقوق الشعب العربي الفلسطيني السياسية، وثانيا الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين لديارهم على أساس القرار الدولي 194، وثالثا الاعتذار عن الوعد المشؤوم، وتعويض الشعب العربي الفلسطيني عما حل به، رابعا تأمين الحماية الدولية للفلسطينيين حتى تحقيق هدف الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة والمساواة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها