وصلت المعاناة الفلسطينية في غزة إلى الذروة التي معها لم يعد الإنسان العادي يستطيع توفير لقمة العيش ولم يعد يستطيع الصبر أكثر من ذلك ولا يطلب حقوق سياسية ولا وطنية لأنه وصل لمرحلة أكل الخبز اليابس والماء التي تعني وصوله إلى مرحلة الصدمة، لا يستطيعان يرفع وجهه في وجه أبنائه المحرومين من المصروف اليومي للمدرسة، ولا يستطيع إن يستمر في الثورة والنضال والمقاومة أكثر من ذلك، فلا جائع يقاوم وينتصر ولا محروم من مساواة في بلده يعتقد إن النصر قادم .

حماس لا تريد أن تتدحرج الأمور لمواجهة كبيرة تخسر فيها الكثير وتجبر في النهاية على توقيع هدنة طويلة الأمد تحت ضربات الاحتلال وتدمير ما تملكه من قوة إستراتيجية تحفظ كيانها بين الفصائل الفلسطينية والتفوق الاستراتيجي، لهذا فإن حماس تريد أن تنتهي أزمات غزة كاملة وتحقق من خلال ذلك مكاسب سياسية وإستراتيجية لتبرهن لأبناء الشعب الفلسطيني المناصرين والخصوم إنها حققت لهم الكثير أخيرًا وصبرهم على الحصار والفقر والجوع والعطش والحرمان كان وقودًا لهذا النصر .

مع وصول كل الفصائل الفلسطينية القاهرة ودخول الراعي المصري لمرحلة تجهيز الاتفاق فان الهدنة طويلة الأمد باتت قريبة وخاصة أنَّ رئيس المخابرات المصرية وصل أمس إلى تل أبيب ورام الله لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الهدنة والمصالحة الفلسطينية وبدء مفاوضات بين حماس وإسرائيل لصفقة تبادل، ومع هذا التقدم في الحراك من أجل التهدئة طويلة الأمد تبرز أمامنا أسئلة مشروعة من سيوقع على اتفاق الهدنة والفلسطينيين باتوا طرفين يحشد كل منهما ضد الآخر؟ وهل ستشمل الهدنة مسيرات العودة والمقاومة الشعبية بغزة ويمنع بعد ذلك حتَّى التجمهر على الحدود والاحتجاج؟، ولا بد من سؤال مشروع آخر هل تكون الهدنة التي يخطط التوصل إليها مقابل تخفيف الحصار أم رفعه بالكامل؟، وإذا كان المعنيين بالأمر يقولوا أنَّ رفع الحصار كاملاً وتحقيق لشعبنا مكاسب كبيرة، فلماذا نوافق على ربط غزة بميناء الإسماعيلية ومطار العريش.؟ وإلى متى.؟ ولماذا لا يكون لغزة مطار وميناء تديرهما السلطة الفلسطينية التي ستعود للقطاع؟ هل بتنا في الحضن المصري وضمن الاحتلال الإسرائيلي الهدوء لأكثر من عشر سنوات ونفض يديه من أزمات غزة ومسؤوليته عن ما وصلت إليه والجرائم التي ارتكبها ؟. إذا كانت مصر تسعى للوصول إلى اتفاق يضمن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة دون معارضة من حماس أو دون بقاء حماس متنفذة في مقاليد الحياة الإدارية والسياسية في القطاع، فلماذا يتمَّ طرح ربط ميناء غزة بالإسماعيلية واعتماد مطار العريش بديلاً عن مطار غزة الدولي؟ إلَّا إذا كان هذا إجراء مؤقت على أن تبدأ عمليات إعادة إعمار مطار غزة الدولي وتطوير ميناء غزة فورًا ليكون صالحًا لاستقبال البضائع والسفر ولا اعتقد أن هذا مطروح في الاتفاق .

ثمن الهدنة طويلة الأمد قد لا يكون كبيرًا لأنَّ ما يدور هو تخفيف الحصار وليس رفعه تمامًا وربط الاقتصاد الغزي بمصر وإعادة الحكومة الفلسطينية لغزة كمرحلة أولى للتهيئة لإعادة إعمار غزة وإدخال البضائع وتنسيق المشاريع الإنسانية لغزة وضخ الأموال اللازمة لتحريك العملية الاقتصادية وإنشاء المشاريع الضرورية لخفض أزمات غزة فيما يتعلق بالمياه الكهرباء وثمن تلك المشاريع والبحبحة الاقتصادية وإدخال الأموال، قد لا يكون الهدوء ونزع فتيل الانفجار الذي حذر من الكثيرون في غزة الثمن، وأخشى أن يكون ذلك ممرًا أولى وإجباري رسمته كل من أمريكا والأمم المتحدة وأشرفت عليه إسرائيل ومصر كمدخل لصفقة القرن التي هي الآن في مرحلة التطبيق الإجرائي بعد أن ضمنت واشنطن إخراج كبري القضايا عن طاولة الصراع وهي القدس واللاجئين التي لن تطرح في أي مفاوضات قادمة.

إذا كانت مصر تركّز الآن على صفقة رزمة أولوياتها المصالحة الحقيقية كضامن لوقف تهديد إسرائيل بحرب قاسية تهدد على غزة فأنها ستنجح، وهذا ما بات واضحًا لأن مصر تسعى إلى رزمة صفقة متدرجة تتحقق عبر مراحل قسمتها إلى أربع مراحل تبدأ بمرحلة المصالحة الفلسطينية والهدنة طويلة الأمد وصفقة التبادل والمشاريع الإنسانية ولعلَّ المخابرات المصرية لا تعمل لوحدها في هذا الملف الأمم المتحدة حاضرة من خلال ميلادينوف وأمريكا أعطت الضوء الأخضر لتسير مركبة المصالحة وتستقر المنطقة وتنتهي أزمات غزة، وهنا يظهر سؤال كبير ومشروع، هل لهذا علاقة بالمبادرة الأمريكية التي تعمل أمريكا اليوم على تحسينها ووضع اللمسات الأخيرة لتعلن عنها في القريب العاجل؟. مهما كانت العلاقة فلا أحد يستطيع استدراج الفلسطينيين للصفقة بهذه الطريقة إذا ما كانت غزة في حضن الشرعية ومن يتحدث في مستقبلها منظمة التحرير وليس حماس أو غيرها وبالتالي يكون القول الفصل بيد "م.ت.ف" وأعتقد أنّ كافة الأطراف التي تطبخ اليوم تعتقد أنَّ الهدنة طويلة الأمد والمصالحة الفلسطينية ورفع الحصار وليس تخفيفه بات المتطلب الرئيس لتعمل أي أفكار لإنهاء الصراع، أمَّا الأسس المرجعيات لأي أفكار وأي حلول أي مبادرات لن يحدده إلّا الفلسطينيين وليس غيرهم لأن أي مبادرات لا تستند للشرعية الدولية وقرارات الأمم والمتحدة ومبادرة السَّلام العربية غير المعدلة والحقوق المتساوية والدولة المستقلة وعاصمتها القدس على كامل الأرض الفلسطينية من ضمنها غزة وحل كامل وشرعي لقضية اللاجئين فان هذا يعني استمرار الصراع ومعه استمرار المقاومة الشعبية التي يجب أن تستمر وتتطور على كافة الأصعدة وبكافة الأشكال في كل الجغرافيا الفلسطينية المحتلة بدءً من غزة حتَّى جنين مرورًا بالقدس ونابلس ورام الله وبيت لحم وطولكرم والخليل وكل المدن والقرى الفلسطينية المحاذية للتجمعات الاستيطانية .