منذ فترة غير بسيطة وأركان الائتلاف الحكومي المتطرف تسابق الزمن في سَنْ سلسلة من القوانين العنصرية، والمتناقضة مع معايير السّلام، وتكرس منطق اللصوصية والسطو البائن على حقوق ومصالح وسيادة الشعب الفلسطيني ومؤسساته التمثيلية، حيث تمَّ خلال الأعوام الثلاثة الماضية سَنْ 185 قانونًا، وتمَّ إقرار 28 قانوناً منها، كان آخرها قانون "القومية" وقانون "خصم رواتب الأسرى وأسر الشهداء" من أموال المقاصة بالقراءة الأولى أمس.
وإذا حصرت النقاش بقانون السطو المعلن على أموال المقاصة الفلسطينية، التي تحصل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على نسبة 3% عن كل شيقل تجمعه للسلطة الفلسطينية وفق محددات اتفاقية باريس الاقتصادية العبثية، فإن الضرورة تملي قراءة أخطار القانون، الذي يقف خلفه وزير الحرب الإسرائيلي، ليبرمان والائتلاف المتطرف عموماً، والهادف لسرقة 300 مليون دولار سنوياً من أموال العوائد الضريبية الفلسطينية بذريعة، أنها "تغذي الإرهاب"، وهو ما يشير أولاً لقلب الحقائق رأساً على عقب، فالقاتل والمحتل ومجرم الحرب بات هو من يحدد معايير "الإرهابي" عن غيره من بني البشر، وهذه فضيحة أخلاقيةً وقانونيةً وسياسيةً؛ ثانياً يعلم بني البشر في غالبيتهم الساحقة، أنّ الدولة المنتجة للإرهاب، والداعمة له، هي إسرائيل ومن يقف خلفها الولايات المتحدة الأميركية ومن لف لفهم؛ ثالثاً أموال الضرائب الفلسطينية، هي أموال خاصة بالشعب العربي الفلسطيني، وليست أموالاً إسرائيلية أو أموالاً أميركية، ولا حتى أموال الدول المانحة، ولا يحق لكائن من كان أن يتدخل بها، إلا قيادة منظمة التحرير وحكومتها؛ رابعاً أشرت فيما تقدم، أن مؤسسات الدولة الفلسطينية تدفع من أموالها مبلغًا مقتطعاً بنسبة 3% لصالح الجابي والمحتل الاستعماري الإسرائيلي، وهذه النسبة تعتبر أيضاً سرقة في وضح النهار، لأنه لا يجوز لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية أخذ فلس واحد من الأموال الفلسطينية، ولكن بؤس ولعنة اتفاق باريس الاقتصادي فتحت شهية المستعمر على مواصلة سرقة أموال الشعب الفلسطيني في وضح النهار، ليس هذا فحسب، بل التدخل في كيفية صرف الأموال الفلسطينية، وهذا اعتداء فاضح، وإرهاب غير مسبوق على قيادة "م.ت.ف"؛ خامساً رواتب الأسرى وأسر الشهداء، هي حق من أبسط حقوقهم على الشعب العربي الفلسطيني وقيادته الشرعية، ولا يستطيع قانون غاب أو قانون مستعمر أن يسقط هذا الحق مهما شرع ورفع صوته، وسيتمكن الشعب وقواه السياسية من إرغام حكومة الاستعمار الإسرائيلية على إعادة الأموال المنهوبة في الماضي أو راهناً أو في المستقبل فلساً فلساً.
ما جرى بالأمس من تمرير قانون "خصم رواتب الأسرى وأسر الشهداء" من أموال المقاصة في الكنيست الإسرائيلي يميط اللثام مجدداً عن حكومة إرهابية وفاشية، فضلاً عن أنها حكومة استعمارية مجرمة تملي على اللّجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وحكومتها الشرعية ومؤسساتها ذات الاختصاص العمل على الآتي: أولاً ملاحقة الحكومة الإسرائيلية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمنظمات والمحاكم الدولية ذات الصلة لإلزامها بالتقيد بالاتفاقات المبرمة؛ ثانياً إعادة النظر فوراً باتفاقية باريس جملةً وتفصيلاً، وتعليق العمل بها، قسوة بتعليق الاعتراف بإسرائيل، كما قرر المجلس الوطني في دورته الـ "23" الأخيرة، لأن مواصلة العمل بها يعتبر فضيحة ولعنة تمس المصالح والحقوق الوطنية؛ ثالثاً تحميل دول العالم قاطبة وخاصة الأقطاب الدولية ودائمة العضوية في مجلس الأمن المسؤولية عما ستؤول إليه الأمور من نتائج في المشهد السياسي الفلسطيني والإسرائيلي، ومطالبتها بالتدخل المباشر دون تلكؤ أو مواربة لإلزام دولة الاستعمار الإسرائيلية بالتوقف فوراً عن سياساتها الإرهابية؛ رابعاً الضغط على إدارة ترمب بأن تتوقف كلياً عن التّماثل والتساوق مع حكومة نتنياهو الإجرامية، وإلزامها بدعم استقلال دولة فلسطين على أراضيها المحتلة في الخامس من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبالتالي الكف عن سياسة الدعم الأعمى والعبثي لحكومة مارقة وخارجة على القانون تهدد الأمن الإقليمي والعالمي بأخطار محدقة وغير مسبوقة.
رواتب الأسرى وأسر الشهداء حق من حقوقهم المشروعة، لأنهم مناضلون من أجل الحرية والسّلام والعدالة السياسية، وهم أسرى حرب، وليسوا إرهابيين، بل من يطلق عليهم ذلك الوصف، هو الإرهابي، ومنتج الإرهاب الأسود في العالم ككل، وليس في المنطقة فقط، كما أنهم رموزاً للوطنية الفلسطينية، وقامات عالية يفتخر بهم الشَّعب والقيادة، وتدافع عنهم بكل ما تملك من إرادة وتصميم لا يلين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها