منذ اعتراف الرئيس رونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاستعمار الإسرائيلي في السادس من كانون الأول/ ديسمبر 2017، والولايات المتحدة وقبلها حكومة الائتلاف اليميني المتطرف تعملان بشكل حثيث لرشوة والضغط على العديد من الدول الأوروبية والأميركية اللاتينية والأفريقية والأسيوية لنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية، وهو ما عرض ويعرض السَّلام للخطر الداهم، وعمق العودة لخيار المربع صفر.

فضلاً عن ذلك تلجأ بعض الحكومات نتيجة صراعات داخلية بين القوى والأحزاب إلى استسهال لجوئها لنقل صراعاتها الداخلية إلى الخارج، وإلقائها على جذوة النَّار المتقدة في أعقد قضية من قضايا الصراع العالمي (قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي) لتصفية حساباتها البائسة. وهذا ما تشهده السَّاحة الرومانية، التي تقوم رئيسة وزرائها، فيوريكا دانشيلا بزيارة لإسرائيل الاستعمارية حاليًا، التي اتخذت حكومتها قراراً سريًّا بنقل سفارة بلادها من تل أبيب للعاصمة الفلسطينية القدس، ودون إبلاغ رئيس البلاد، كلاوس يوهانيس. ما دعا الرئيس الروماني إلى مطالبة رئيسة الحكومة بالاستقالة أمس الجمعة، لأنَّها حسب البيان الصَّادر عنه "لا تتعامل بشكل جيد مع دورها كرئيسة للحكومة الرومانية. وهذا يجعل الحكومة عرضة للهجوم"، ويفاقم الأزمة الداخلية والخارجية للبلاد.

وكان ليفيو دراغنا، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي فجَّر أزمة سياسية في البلاد، عندما كشف عن قرار الحكومة بنقل السفارة من تل أبيب للقدس الفلسطينية المحتلة. ما دعا الرئيس يوهانيس (يمين الوسط) إلى التصدي لرئيسة الحكومة، واعتبر أنَّ "أي تحرك من هذا النوع لا يمكن أن يحصل إلَّا بعد اتفاق الإسرائيليين والفلسطينيين على وضع القدس." وفي السياق طالبها بالاستقالة.

ومن الجدير بالذكر، إنَّ الرئاسة الفلسطينية رفضت استقبال رئيسة الوزراء الرومانية، لأنَّها جاءت تبحث في آليات نقل السفارة. ما فاقم من أزمتها السياسية على المستويين الداخلي والخارجي، وأشعرها خطورة خطوتها الغبية على مستقبل حكومتها، ما دعاها للتراجع المؤقت، وهذا ما حمله تصريحها يوم الخميس الماضي بعد لقائها الرئيس الإسرائيلي، رؤبين ريفيلن: عندما قالت "أنَّ حكومتها تحاول فقط "مناقشة" احتمال نقل السفارة".

إيراد المثل الروماني بشأن القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية، وهي أحد الملفات المركزية في ملفات الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يكشف أنَّ مسألة القدس، ليست للتسالي، أو لتصفية الحسابات الداخلية، ولا هي قضية هامشية يمكن مرورها مرور الكرام على المستويين الداخلي لهذا البلد أو ذاك، ولا على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي أو العالمي. لأن لهكذا خطوة من قبل أية دولة من الدول نتائج وتداعيات غير حميدة على مستقبل علاقات الدول، التي تنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس مع العالم برمته، وفي مقدمته الفلسطينيون. لأنَّ قرار نقل السفارة يتناقض مع قرارات ومواثيق ومعاهدات الشرعيَّة الدولية.

كما أنَّ الدول، التي تفكر بنقل سفاراتها للقدس، ستحمل نفسها أوزار ما تقترفه سياساتها المتهافتة من نتائج سلبية، ولن يغفر أو يمرر الفلسطينيون مثل هذه القرارات دون ثمن، وثمن غال. نعم الفلسطينيون شعب صغير، وضعيف، ولكنَّه شعب يملك كل أوراق القوة والإرادة في الدفاع عن حقوقه ومصالحه الوطنية. والقدس العاصمة، لا يمكن التساهل بشأنها مع أيٍّ كان من الأقطاب والدول والقوى. لأنَّها ثابت من الثوابت الفلسطينية، وهي ليست للبيع أو المساومة، لا مع إسرائيل أو الولايات المتحدة أو باراغواي أو رومانيا. التي يستحق رئيسها يوهانيس التقدير لمواقفه المبدأية.

ومن المفيد في هذا الصدد لفت انتباه إدارة ترامب، أو بعض وسطائهم، الذين يفتقدون للفطنة السياسية، إلى عدم العبث بمسألة محددات وركائز التسوية السياسية، التي تحتل فيها القدس رأس الأولويات في الملفات الأساسية النهائية للحل، ولا يمكن تأجيل بحثها تحت أيَّة ذريعة أو عنوان من عناوين المناورة والخديعة.