في تمام الساعة السادسة والنصف من مساء يوم الاثنين الموافق الثلاثين من نيسان هذا الشهر، ستبدأ واحدة من تجليات الوطنية الفلسطينية بأبهى صورها، وهي انعقاد الدورة العادية الثالثة والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني، ببيت الكل الفلسطيني، في الوطن والشتات على اتساعه، وفي الحقيقة فإنَّ صفة دورة عادية هي صفة إدارية، ولكن في حياة منظمة التحرير الفلسطينية منذ إنشائها في عام 1964 حتَّى اليوم من قلب المجلس الوطني الأول، لا يوجد دورة عادية، فكل الدورات غير عادية بسبب التحديات الأهلية والتحديات الطارئة، وكل دورات المجلس الوطني فإنَّها لم تكن عادية بمعنى الهدوء، وبمعنى التكرار السهل، بل دائمًا كان هناك تحدٍ وكان على هذا المجلس الوطني في كل دوراته أن يواجه هذه التحديات، سواء كانت على المستوى الدولي الذي تطالب بعض أطرافه بما لن نقبله، وكيف نتدبر أمورنا بأن نقول لا بينما آخرون أقوياء يطلبون نعم التي لن نقولها، أو يكون التحدي إسرائيليًا من خلال رد العدوان، وإثبات الذات، وقهر الأذى، ولذلك كانت الدهشة خارقة من قبل الأعداء وقت الخروج من لبنان حين سألوا زعيمنا الخالد أبو عمار لحظة الخروج، إلى أين الآن؟؟؟

فقال لهم مبتسمًا: إلى فلسطين - وقد كان، والآن يسألون زعيمنا أبو مازن إلى أين بعد إعلان ترامب وصفقته التي ولدت ميتة، فيرد عليهم بثبات، إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية العاصمة الأبدية الفلسطينية.

ودائمًا كان هناك المتساقطون على الطريق، أفراد أو جماعات يعانون من فقدان اليقين، ومن خواء العمق النضالي والفكري والسياسي والأخلاقي، فيتلونون بلون العدو، إن كان مرة إسرائيلياً أو أميركياً أو عربياً أو عجمياً – حيث لا لون لهم خاصًا بهم – هؤلاء نلمح وجودهم منذ اللحظة الأولى لانطلاق الشَّعب الفلسطيني لاسترداد ذاته وكينونته وحقوقه وميراثه، دائمًا تبرهن عمليات التحريض ضد شعبهم، دائمًا يسقطون في كل اختبار ويكونون من أهل اللعنة.

لكن الوطنية الفلسطينية بكل أشكال حضورها الخارق، وأولها إنشاء المنظمة ومجالسها الوطنية بدورات متعاقبة، وأخلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، والانتفاضة بإرهاصاتها الخارقة، ونشاطها الدبلوماسي الذي لا يكل ولا يمل ويجسد قمة الحضور، وأشكال الصمود الأسطوري، والقدرة على البناء في أقصى الظروف، إنَّها الوطنية الفلسطينية تتجلى بإعجازات عليا، وهي في هذه الدورة ستقول الكثير للصديق والعدو، وتقرر الكثير، وتجعل الطريق إلى الهدف معبّدًا بدقة الرؤية، ودقة الخيارات، فأهلاً يا مجلسنا الوطني يا بيت الكل الفلسطيني، حتَّى الأبناء الضالون سيجدون في رحابك مأوى حين تضيق بهم الدنيا على رحبها.