بقلم: عادل عبد الرحمن

شهدت العلاقات الاميركية / الاسرائيلية خلال الاسابيع الاخيرة توترا ملحوظا بعدما اتصل الرئيس باراك اوباما مع الرئيس الايراني حسن روحاني أثناء مشاركته في الدورة الاخيرة للجمعية العامة للامم المتحدة، ولقاء وزيري خارجية البلدين، ما اسفر عن ذلك تغير موقف الادارة الاميركية من ملفين أساسيين الاول الملف النووي الايراني؛ والثاني الملف السوري لجهة اسقاط الخيار العسكري، والاندفاع نحو الحل السياسي.

وتعاظمت حدة التباين بين الولايات المتحدة واسرائيل في اعقاب زيارة جون كيري، وزير الخارجية الاميركي للمنطقة الاسبوع الماضي، حيث التقى يوم الاربعاء 13 تشرين الثاني في مدينة بيت لحم مع الرئيس محمود عباس، واعقب ذلك أكثر من تصريح للوزير الاميركي ضد الاستيطان، معتبرا اياه عقبة كأداء أمام تقدم خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. واكد ذات الموقف على فضائية فلسطين والقناة الاسرائيلية العاشرة. ونفى الرواية الاسرائيلية، التي حاولت ايهام وتضليل الرأي العام الاسرائيلي والفلسطيني والاممي، بأن القيادة الفلسطينية "وافقت" على العودة للمفاوضات والافراج عن اسرى الحرية قبل التوقيع على اتفاقيات اوسلو مقابل "عدم الاعتراض" على الاستيطان الاسرائيلي. وخرجت القيادات الاسرائيلية من وزراء وغيرهم من المسؤولين في مراكز القرار وكتاب الاعمدة ووسائل الاعلام الاسرائيلية بحملة غير مسبوقة على جون كيري، واعتبرته هدفا في مرمى النيران، ووصفت الرجل بانه "شخص غير مرغوب به في اسرائيل" وانه "وسيط غير نزيه"، واطلقت عليه العديد من الصفات غير الحميدة، التي تعكس حجم الازمة بين الطرفين. حتى ان نتنياهو في اللقاء الذي جمعه مع رئيس الدبلوماسية الاميركية يوم الثلاثاء (12/11) لم يصافحه، وهي ابسط التقاليد البروتوكولية.

الموقف الاميركي بالمعنى الشكلي يعتبر نسبيا، موقفا ايجابيا من مسألة الصراع الفلسطيني / الاسرائيلي. غير ان موقف ادارة اوباما يحتاج الى اقران القول بالفعل، واستخدام سلاح العقوبات ضد المستوطنات الاستعمارية في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، على الاقل يتوافق مع القرار الاوروبي، الذي سيبدأ تنفيذه مطلع العام المقبل، والداعي لمقاطعة السلع المنتجة في المستعمرات وكل من يتعامل معها في اسرائيل. ليمكن الرهان بالحد الادنى على مواقف الادارة الاميركية.

لكن ان بقي الموقف الاميركي في حدود التصريح، فان المراقب لا يمكنه افتراضه تطوراً ايجابياً، بل هو لذر الرماد في عيون الفلسطينيين، وتضليلهم لتواصل اسرائيل استراتيجيتها الاستعمارية، والهائهم عن متابعة حقوقهم الوطنية في المنابر الاممية المختلفة.

والمنطقي أن لا يذهب أي مراقب بعيدا في قراءة أبعاد وحدود التباين الاميركي / الاسرائيلي، لأن الادارة الاميركية، هذا اذا افترضنا حسن النية لديها بصناعة السلام، مكبلة بقيود المجلسين الكونغرس ومجلس الشيوخ ولجنة الشؤون العامة الاميركية الاسرائيلية الايباك وغيرها من مراكز النفوذ في صناعة القرار الاميركي، التي لن تسمح لاوباما ووزير خارجيته ورئيسة مجلس الامن القومي بالذهاب بعيدا في الاختلاف مع الحكومة الاسرائيلية، بغض النظر عن سياساتها وانتهاكاتها، التي لا تهدد السلام في المنطقة فحسب، بل وتهدد المصالح الحيوية الاميركية ذاتها والغرب عموما لاعتبارات التحالف الاستراتيجي بين البلدين، وايضا لطبيعة العلاقة العضوية بين الايباك واسرائيل، ولاعتقاد اليمين الجمهوري المتمسحن، ان وجود اسرائيل وقوتها الآن ثم اندثارها، له علاقة بقيامة المسيح المنتظر!؟ وبالتالي الافتراض ان الاختلاف الاسرائيلي / الاميركي سينحو نحو آفاق اوسع واعمق، هو افتراض خاطئ، وساذج، وبعيد عن سبر اغوار وكنه العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

في حالتين يمكن للولايات المتحدة ادارة الظهر لاسرائيل، الاولى أن تصبح اسرائيل عبئا حقيقيا ومكلفا للولايات المتحدة ومصالحها الحيوية في المنطقة؛ والثانية مع غياب شمس الامبراطورية الاميركية عن القرار السياسي الاممي. غير ذلك صعب الرهان على اكثر مما هو قائم. ومع ذلك اسرائيل لا تقبل بمجرد التصريح، لانها تعرف جيدا كم هي حاجة الادارة اليها.