لفيف من شبابنا الوطنيين الفتحاويين، سبق كتابنا الوطنيين (والعبد لله واحد منهم) في طرح فكرة بديعة وهي رفع قضية ضد بريطانيا التي أصدرت لصالح الصهيونية وعد بلفور الخياني المشؤوم. وبالطبع ليس في وسع السياسي أن يدعو الى هكذا فكرة، لأنه يشتغل بمعطيات الواقع لكي يتقدم قيد أنملة على طريق انتزاع الحق. لكن القوى الاجتماعية من فصائل وشبكة منظمات أهلية مدنية، ومراكز دراسات ومنابر وشخصيات، من حقها أن ترفع القضية، لأن تصريح بلفور وضع حجر الأساس لعملية بناء المشروع الصهيوني في فلسطين، وهو المشروع الذي فتك بالمجتمع الفلسطني وأحل الانتهاب والعذاب المديد لشعبنا، محل الاستقلال الوطني على أرض فلسطين. وكما يعلم الجميع، كانت بريطانيا سلطة انتداب، مؤتمنة على فلسطين من عصبة الأمم، ولم يكن عليها أن تغادر دون تسليم البلاد الى شعبها، مثلما فعلت في جميع مستعمراتها. ومثلما قال جمال عبد الناصر في رسالته الطويلة للرئيس الأمريكي جون كنيدي بعد أن تقلد منصبه في العام 1960 «لقد أعطى من لا يملك وطناً لمن لا يستحق»، وجرت العبارة على كل لسان!

من يتابع جذور وعد بلفور، يعرف أن النوايا الاستعمارية الشريرة كانت بوصلة وزارة لويد جورج الثانية التي عمل آرثر بلفور وزيراً لخارجيتها. بل إن الوزارة وصفت نفسها كـ «إمبريالية» وكان ذاك زمن الوقاحة الاستعمارية وعدم التحرج من كلمة الاستعمار أو من المفاخرة بها. وحتى عندما خسر لويد جورج الوزارة الأولى في العام 1908، لصالح هيربرت أسكويث، زعيم حزب الأحرار الليبرالي؛ سرعان ما دبرت للرجل الذي لم يتقبل الزعيم الصهيوني هرتسل، فضيحة تسريب مداولات الحكومة حول عطاء كبير، الى شركة «ماركوني» فسقط الرجل ومات مديناً. وفي وزارة لويد جورج، كان طبيعياً أن يؤتى بآرثر جيمس بلفور، كوزير للخارجية لأن لدى هذا قناعة بأن الحركة الصهيونية لاعب ماهر ومؤثر في السياسة الدولية وبمقدوره أن يحسم مسائل كبرى لا تستطيع حسمها حكومات دول كبرى، وكان شديد الإعجاب بشخصية حاييم وايزمان. ولكي تنجو بريطانيا من قوة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، كان معقد الرجاء لحكومة لويد جورج، هو أن تدخل أمريكا الحرب ضمن الحلف البريطاني، ورأى بلفور أن حاييم وايزمان هو وحده القادر على إقناع الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون. هنا كان ثمن الخدمة الصهيونية لحكومة لويد جورج، فضلاً عن الوداد الأسبق للصهيونية والامتنان لإسهاماتها في السياق الإمبريالي البريطاني، هو إجزال الوعد لها «بوطن قومي» في بلادنا فلسطين. وكانت فلسطين هي الأنسب، في حسابات رجل عنصري وإمبريالي يخشى أن ينتقل اليهود الى بريطانيا نفسها بأعداد كبيرة. فهو يريدهم أن يخدموا بريطانيا من خارج القارة القديمة. من هنا تأسست الجناية البريطانية ضد شعب فلسطين ووطنه، وهي الجناية التي يتعين الاستمرار في طرحها على المحافل الدولية السياسية والقضائية، لا سيما وأن بريطانيا ما زالت تساند إسرائيل، وقد رفضت الاعتراف لنا بالحق في أن نكون دولة غير عضو في الأمم المتحدة، على 22% من أرض وطننا التاريخي!

شبابنا الذين بدأوا حراكاً في اتجاه رفع دعوى ضد بريطانيا، استحدثوا في ذكرى الوعد الخياني والإمبريالي المشؤوم، المنصوص عليه في رسالة آرثر جيمس بلفور الى المصرفي البريطاني اليهودي ليونيل روتشيلد؛ فكرة سياسية وتاريخية وإعلامية وقانونية بامتياز. فمن ناحية السياسية، لن يؤدي انسداد الأفق الى شطب وجودنا وطموحاتنا كشعب حي، وبالتالي لا بد من مواجهة الصلف الصهيوني الكريه، بالثبات على منطق تأثيم عملية إنشاء إسرائيل أصلاً. ومن ناحية التاريخ، يكون للحراك معناه وهو أن نتنياهو وأمثاله، لن يشطبوا الحقائق والمصائر ويحددون مسار التاريخ على هواهم. ومن ناحية الإعلام، لكي تعرف الأجيال من كل الأمم، كيف كان انتهاب فلسطين ومن هم الجناة. وسيكون الحراك على صعيد الملاحقة القضائية، خادماً لكل الحيثيات التي ينبغي أن تعرفها الأمم، ولكي تتأكد الصهيونية وحليفتها الولايات المتحدة، أننا باقون على هذه الأرض، وأن لنا قضية، وأننا ماكثون غير يائسين، وليس في مهاجع نوم يعيشون أحياءً موتى. نحن متفتحو الذهن ولن نتخلى عن قضيتنا، ولن نكف عن طلب الحق من الجناة جميعاً!