بقلم/ محمود الأسدي / باحث أكاديمي

صراع الفلسطينيين والصهاينة (يسمى عالمياً صراع الشرق الأوسط)، لا يعود حقيقة إلى وجود قوميتين في المنطقة فحسب، وإنما إلى رغبة أمريكية- صهيونية دينية، استراتيجية واقتصادية غايتها بسط نفوذ وسيطرة إقليمية وتأمين أسواق استهلاكية ومن أجل الثأر لهزيمة صليبية، وللانتقام للاندحار أمام أسوار عكا، وتأمين سيطرة تامة على جسر العبور بين قارتي أسيا وأفريقيا بغية فصل جغرافي وإقصاء ديموغرافي بين المشرق العربي والمغرب العربي. هذه الإستراتيجية الأمريكية ممثلة بالمحافظين الجدد والصهيونية ترمي إلى إعادة بناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى.

عودة إلى المسألة الشرقية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر: وقف غلادستون رئيس وزراء بريطانيا في مجلس العموم البريطاني متحدثاً بأن "المسألة الشرقية لا يمكن حلها ما دام هذا الكتاب موجوداً. رفع الكتاب بيده، فإذا هو القرآن الكريم"، (مذكرات الحسيني، ص. 214).

الشعب الفلسطيني في الشتات والضفة الغربية وغزة يعاني البؤس والشقاء، الحرمان والقتل، الاعتقال والجوع والقهر إثر السياسة الغربية التي بدأت بوعد بلفور عام 1917، وتلاها قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين ثاني 1947. نص قرار التقسيم المدعوم بريطانياً وأمريكياً وفرنسياً على تقسيم فلسطين إلى دولتين: "عربية" و"يهودية" مع إعطاء الأخيرة أكثر من 56% من أرض فلسطين.

وذاكرة الشعب الفلسطيني تعود به لموقف مندوب الاتحاد السوفياتي، غروميكو، حين وقف مطالباً بحق الصهاينة في إقامة وطن لهم في فلسطين تخفيفاً لمعاناتهم في أوروبا، وأن الاتحاد السوفياتي كان الدولة الثانية التي تعترف بإقامة الكيان الصهيوني في 15 أيار 1948، أي الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية!!

أعتمد الصهاينة منهجية القتل والاعتقال، الطرد والحصار، التسلط وترويع المدنيين وتدنيس المقدسات الإسلامية في فلسطين. ففي عام 1969، أحرق الصهاينة منبر الأقصى، وأقدم الصهيوني الأمريكي روبنشتاين على قتل وجرح 60 مصلياً في المسجد الإبراهيمي في الخليل، وقامت سلطات الاحتلال  بتقسيم المسجد الإبراهيمي بين اليهود والمسلمين، وحرمت على المسلمين الصلاة فيه طبقاً لأجندة صهيونية خاصة، ويشهد العالم عمليات حفر وتنقيب فوق الأرض وتحت الأقصى وتغيرات جغرافية وديموغرافية القدس الغاية هدم الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه!!.

وإذا كانت أمريكا راعية اتفاق السلام في كامب ديفيد الأول عام 1976 برعاية الرئيس جيمي كارتر، وكامب ديفيد الثاني برعاية الرئيس كلينتون، فإنها لم تتحلّ بالنزاهة والشفافية المطلوبتين في قضايا رئيسة: كالقدس، واللاجئين، والحدود، والأمن. كما أن اسرائيل لم تلتزم ولم تمتثل لقرارات الشرعية الدولية 194، 242، 338، على سبيل المثال، الهادفة إلى فض نزاع الشرق الأوسط وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني.

إن الولايات المتحدة، داعية السلام، تمد الكيان الصهيوني بمقومات وجوده، تمده  بالهبات المالية الضخمة، وبالأسلحة المتطورة الفتاكة، وبالتعاون اللوجستي الكثيف وتمنحه غطاءً كاملاً لممارساته العنصرية ضد الفلسطينيين في المحافل الدولية، وكانت دائماً ترعى حروب إسرائيل ما عدا واقعة واحدة، يوم قرر مناحيم بيغن مهاجمة المفاعل النووي العراقي من دون إبلاغ الرئيس ريغان بموعد الضربة! وبالمناسبة، نلفت نظر العرب والمسلمين وكل شعوب العالم المحبة للسلام أن أول مستوطنة صهيونية شيدت في فلسطين عام 1850 كانت بتمويل أمريكي، تلتها مستوطنة ثانية عام 1854 بتمويل أمريكي أيضاً.

التحالف الأمريكي- الصهيوني قديم- جديد يرتكز على استراتيجيتين رئيسيتين: سياسية ودينية! وقد برز هذا ا لتحالف الاستراتيجي الديني بوضوح تام حين وقف الرئيس كلنتون مدافعاً عن حق إسرائيل في جبل الهيكل Temple Mount، حيث قال وبالحرف الواحد "في أنجيلنا جبل الهيكل هو المكان الذي شُيَّد فيه هيكل اليهود. ولا يمكن رفض حق اليهود في السيادة عليه"، (حقيقة كامب ديفيد، تموز، ص 305).

وحيث أجاب الرئيس المرحوم ياسر عرفات أن "الهيكل موجود في نابلس وليس في القدس"، انتفض كلينتون ووصف مقولة الرئيس عرفات بأنها "تنكر ورفض للديانة اليهودية". وإذا حاول باحث، دارس أو مراقب رصد أو قرأ سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية، فإنه يلحظ الطروحات التالية:

1- سلام الأرض- تعبير دالاس.

2- السلام العادل في الشرق الأوسط- تعبير كندي.

3- الرغبة في التفاهم- تعبير جونسون.

4- سياسة اليد المتوازنة- تعبير سكراتون نيابة عن نيكسون.

5- أمن ورخاء كل الأطراف- تعبير جيرالد فورد.

6- دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل- تعبير جورج بوش الابن.

وما هي نتائج طروحات رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية على الأرض؟ وأين وصلت مفاوضات السلام منذ اتفاقات أوسلو في 12 أيلول 1993، وطرح خطة الدول العربية لعام 2001؟ سبعة عقود تقريباً واليهود يماطلون!!

1- انتهى دالاس بمحاولة الغزو من الداخل ضد العرب.

2- انتهى نيكسون بالجسر الجوي لإسرائيل في حرب، أكتوبر 1973 ضد العرب.

3- انتهى بوش بغزو العراق.

ويبقى سؤال آخر مفصلي: هل تنجح مفاوضات ترعاها أمريكا وجُلُّ فريقها المفاوض مكون من يهود أمريكان يرأسهم دنيس روس ومعه ساندي برحرز،  مارثن إنديك، وآرون ملر، وقبلهم مادلين أوبرايت، وهنري كيسنجر، ومن خلفهم المسيحيون المتطرفون الجدد والعربي الصهيونيAIPIC؟ أي سلام ينتظره الفلسطينيون والعرب من فريق عمل ديني متزمت وسياسي عنصري حاقد؟ خابت توقعات العرب من تراجع الرئيس أوباما وتنكره لكافة طروحاته التي أطلقها في شرم الشيخ وفي القاهرة. وظل المشهد قاتماً وغير ملزم هناك فرق شاسع بين خطابات وجدانية تدغدغ عواطف العرب وسياسة منهجية تقوم على مرتكزات استراتيجية ومصالح اقتصادية ومعتقدات دينية. لقد شاهد العامل باراك اوباما يتملق ويتودّد ويداهن نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، وكذلك في لقائه الأخير على جانب اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة لهذا العام.   

إن همَّ أوباما الحالي، كما كان هدف رؤساء أمريكا السابقين، هو رضى وموافقة وتأييد العربي الصهيوني الأمريكي لسياساتهم الداخلية تحقيقاً لأجندات أمريكية. أليس اوباما من صرّح بعد عودته من زيارته الأخيرة لمصر أن "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"؟ إنها دعوة صريحة للصهاينة لارتكاب المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين وتجويعهم وتدمير اقتصادهم وإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، ومواصلة قرصنة صهيونية بحرية لحصار شامل لقطاع غزة، وتبريراً لإقامة جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية وفصل مدينة القدس عن المجتمع الفلسطيني ووضع معوقات جمة أمام الطلاب في الوصول لمدارسهم والمزارعين إلى مزارعهم، وتواصل الأهل والأقارب.

بالأمس، في 13 تشرين ثاني 2013، أفتتح حزب الليكود الحاكم حملته الانتخابية بمنشورات وبيانات تَعِدُ الصهاينة في مدينة يافا في فلسطين المحتلة إسكات أصوات الأذان وأجراس الكنائس!!. وقام فريق من المستوطنين اقتحام الأقصى ورفعوا العلم الصهيوني داخله.

إنها سياسة صهيونية ممنهجة بدأت مع يهود الدونمة في تركية بشروطها العنصرية حين قادت ثورة ضد السلطان العثماني، حيث نصتْ بعض شروطها على:

1- أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام.

2- أن تختار تركيا لها دستوراً مدنياً بدلاً من الدستور العثماني المستمد من الشريعة الإسلامية والقائم على قواعدها.

3- أن تستعمل تركيا الحروف اللاتينية بدلاً من الحروف العربية.

4- منع إقامة الأذان باللغة العربية.

5- منع تعليم الدين والقرآن في المدارس.

(المصدر السابق، ص 214).

وما أشبه اليوم بالأمس. القس تيري جونز من ولاية فلوريدا الأمريكية قام  بحرق نسخ من القرآن الكريم أمام حشد من أنصاره، ووصمَ الإسلام بالاسلاميفوبيا (الإرهاب)، وشجع أيضاً وموّل المجرم القبطي العنصري الحاقد نيقولا على إنتاج وتوزيع فيلم شوه به الرسول الكريم.

إنها سياسة عنصرية دينية إستراتيجية حاقدة غايتها تأمين مصالح وامتيازات وسط نفوذ وأحكام سيطرة وهيمنة في الشرق الأوسط، متنكرة لكافة الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية والقيم الدينية والاجتماعية.

درجتْ الدول الغربية على هذه المنهجية في المشرق والمغرب العربي وأفريقيا وكافة دول العالم الثالث. وجاءت الصهيونية بتشجيع أمريكي- فرنسي بريطاني وروسي باعتماد هذه المنهجية لأن من شأنها تحقيق الحلم الصهيوني في إقامة دولة عنصرية في فلسطين، وتحقيق رغبة استعمارية في زرع شرطي في المنطقة.

وتبقى مرونة المفاوض الفلسطيني وإصراره على تحقيق هدفه المحرك والدافع لرحلاته المكوكية لإحراز تقدم في اتجاه إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 والقدس عاصمة الدولة الفلسطينية رغم تسويف وتعنت ومماطلة الصهاينة وممالأة أمريكية غربية وأخرى شرقية، وتشتت عربي، وعجز إسلامي، وصمت دولي.