مئة وعشرون عاماً، مرت على انعقاد المؤتمر اليهودي الأول في مدينة بازل في سويسرا عام 1897، حين نجح ثيودور هرتزل في الانتقال من رحلة الحنين اليهودي، ومرحلة اليهودي التائه إلى مرحلة الإنجاز السياسي، أي جعل هذا الحنين وذلك التيه يتحول إلى مرحلة الإنجاز السياسي، أي جعل هذا الحنين وذلك التيه يتحول إلى عمل سياسي، أي برامج وخطط قابلة للتنفيذ على الأرض، فتم اختيار فلسطين من بين خيارات كثيرة، وتم اختيار أعتى الموجات الاستعمارية في ظل الإمبراطورية البريطانية التي جرى من خلالها تشابك المصالح معها إلى صدور وعد بلفور الذي هو عدوان، وخيانة للأمانة بكل المعايير، لأن بريطانيا التي لم يكن لها علاقة بفلسطين أعطت لنفسها الحق في أن تعطي فلسطين العامرة بشعبها وأقدم أرض أشرق عليها تاريخ الإنسان، لليهود الذين مثلتهم الحركة الصهيونية في ذلك الوقت ليبنوا فيها وطناً قومياً لهم، ومنذ صدور ذلك الوعد العار قبل مئة سنة، بذلت بريطانيا كل ما في وسعها لتحقيق ذلك الوعد، فعملت على أن يصدر لها حق الانتداب على فلسطين، واختارت يهودياً بريطانياً من أقطاب الحركة الصهيونية ليكون معتمدها الأول في فلسطين، ومارست كل السياسات اليومية بموجب صك الانتداب لتصنع الكارثة والنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني ابتداءً من صدور القرار 181 في العام 1947، ثم طرد الشعب الفلسطيني في عملية كبرى من عمليات التطهير العرقي، احتلال الأرض بتجاوز حتى للقرار 181، وظلت بريطانيا حتى اليوم وفية لخطيئتها الأولى، تكابر وتكابر، رغم إنها هبطت من عرش الإمبراطورية العظمى وتعاني الآن من تبعات الخروج من الاتحاد الأوروبي ومن خطر تصاعد المطالب الانفصالية في داخلها، ولكن الخطيئة مستمرة، والعناد مستمر حتى يومنا هذا.

قوة الاعتراض البطولية عبر ذلك الزمن كله مثلتها الوطنية الفلسطينية، التي نجحت في خلق إطارات وطنية وسياسية فاعلة، تشكل أوعية قوية للنضال مثل منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني والثورة الفلسطينية المعاصرة وأشكال التجلي الأخرى مثل الفيدراليات الفلسطينية بالعالم التي عقد مؤتمرها الأخير في نيكاراغوا قبل أيام في أجواء مشعة بالأمل بعد أن وقعت "فتح" و"حماس" في القاهرة مؤخراً على اتفاق لتنفيذ آليات المصالحة والوحدة، وبدأ زخم الخطوات المتحققة التي ستصعد إلى ذروة أخرى في الحادي والعشرين من تشرين الثاني المقبل بتوقيع كل الفصائل والقوى على الاتفاق، وهو الأمر الذي يجب أن ينتبه له كل الفلسطينيين في كل مكان، حتى لا تنال منه ردة الفعل الإسرائيلية المجنونة التي قد تجد لها من يتبعونها من الصغار الذين تنوح أصواتهم الباكية على الانقسام الأسود بحيث يكاد يكون واضحاَ كل الوضوح إن من يعكر طريق المصالحة ولو بكلمة واحدة أو بفعل صغير أو بنية سيئة، إنما يعطي صوته على المكشوف لصالح إسرائيل.

وإسرائيل في هذا الصراع المفتوح تحاول الهروب بأقصى ما تستطيع، وتتنصل من الاتفاقات وتعلن العداء المطلق لقرارات الشرعية الدولية ولمبادئ ونصوص القانون الدولي وتنتج كل معطيات العدوان، وتعبد الاستيطان، وكلما هربت أكثر وتمادت أكثر، تجد إن الحقيقة الفلسطينية تلاحقها وتكتشف إنها لم تستطع أن تهرب بعيداً، فالسؤال الفلسطيني يقرع أبواب العالم ويلاحقها في كل منعطف.