تسير المصالحة الفلسطينية قدماً وتتخطى العقبات واحدة بعد الأخرى بجهد مشترك ومتواصل من أجل أن يستمر هدير قطار المصالحة الذي لا يمكن أن يتوقف ولا يمكن أن يتراجع، وواهم من يفكر أننا قد نعود إلى ما قبل الثاني من أكتوبر الحالي ذلك اليوم الذي أصبح جدار بين الماضي والحاضر بين مرحلة الانقسام ومسيرة الوحدة، عندما ذهبت الحكومة بكامل وزرائها إلى غزة وبدأت مرحلة تسلُّم الوزارات والهيئات، واستمرت الحكومة في عملها لاستكمال توليها باقي الهيئات وصولاً إلى المعابر والحدود في نهاية الشهر الجاري أو أول نوفمبر القادم، بالرغم من كل هذا التقدم إلا أنَّ إسرائيل وبعض المرجفين والمستفيدين من حالة الانقسام لم يصدِّقوا حتى اللحظة أنَّ الانقسام في طريقه للانتهاء والتلاشي وما زالوا يراهنوا أنَّ هذه الحالة مؤقتة ومنهم إسرائيل التي بدأت من فترة تضع العراقيل أمام إتمام هذه المصالحة والوصول لحالة الوحدة الوطنية الفلسطينية الطبيعية والمطلوبة لمواجهة كافة التحديات الدولية والإسرائيلية، ومنها تحديات يفرضها الاحتلال الإسرائيلي عبر استمرار العمل على أساس استدامة حالة الانقسام والبناء على ذلك لتنفيذ برامج تتيح لإسرائيل التهرب من الإقرار بالحقوق الفلسطينية وأولها إنهاء الاحتلال ومنح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني المحتل.

كان نتنياهو قد ألقى خطاباً عنصرياً أمام الكنيست الإسرائيلي بمناسبة الدورة الشتوية الجديدة، وتحدَّث لأعضاء الكنيست ومواطني الدولة العبرية عن أوهام إسرائيلية ليست أكثر ولا أقل، وحاول أن يصور للعالم أنَّ إسرائيل تريد السَّلام دون أن يتحدث عن أي خطط للسَّلام، بل إنه جعل من إسرائيل طرفاً في الانقسام باعتبارها من يجني فوائده، وادعى بأنَّ أيدي إسرائيل ممدودة للسَّلام الحقيقي وليس لمصالحة مزيفة بين "فتح" و"حماس"، وادعى أنَّ إسرائيل لا يمكنها التفاوض مع أي حكومة فلسطينية تكون حماس جزء منها على اعتبار أنَّ الحركة حسب زعمه تريد وتدعوا لخراب إسرائيل.

وأضاف أنَّ هذا الموقف هو موقف أمريكي إسرائيلي مشترك كمحاولة لابتزاز اعتراف شامل بوجود الدولة العبرية من قبل حماس وغير حماس، وقال هذا موقفنا وموقف أمريكا المشترك، وكرَّس نتنياهو حديثه المزيف عن  التهديدات الإيرانية المزعومة لإسرائيل، ومحاولات إيران وضع قدم لها في سوريا، وهذا يوحي بأنَّ إسرائيل باتت وصية على المنطقة ولها الحق أن تقرر من يبقى في سوريا ومن يغادر سوريا، كما إن نتنياهو واصل محاولاته لتصوير إن إسرائيل دولة غير نووية وأنَّ إيران تهدد إسرائيل وليس العكس، نتنياهو يريد أن يصِّور للعالم أنَّ إسرائيل دولة مسالمة تطلب السَّلام ودولة تسعى للسلام، والفلسطينيين والكل العربي والإسلامي يرفض ذلك ويعيق كل مساعي السَّلام الحقيقي المبني على حقوق شعوب المنطقة.

 نتنياهو توجَّه لأهالي الجنود الإسرائيليين المختفيين في غزة وقال لعائلات هؤلاء الجنود أنه يتكفل بإعادة أبنائهم إلى ديارهم دون الحديث عن أكثر من 6500 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، ودون أن يتحدث عن إن إسرائيل لديها خطة جدية لتسوية هذه القضية في إطار السَّلام الحقيقي، لا يبدو أن نتنياهو اليوم يفكر بعقلية رجل السَّلام بقدر ما يفكر بعقلية رجل الحرب والعداء، ويتصرف كأنه رئيس وزراء كيان مهدد من كل جانب،  لا يحتل أراضي الغير ولا يحجز آلاف الفلسطينيين في سجون ومعتقلات علنية وسرية، ولا يرسل جنوده ليلاً إلى القرى والمدن الفلسطينية لتقمع المدنيين وتداهم بيوتهم وتعتقل أبنائهم وتروع أطفالهم ونسائهم، ويتصرف نتنياهو دون أن يقر بأنَّ كيانه كيان محتل يمارس كل الموبقات وكل أشكال الجرائم ضد السكان الفلسطينيين، وتهدم قوات جيشه بيوتهم وترحلهم من مدنهم وقراهم وتستولي على أراضيهم تحت مزاعم وزراع أمنية واهية، وهذا ما حدث مؤخراً عند الاستيلاء على مساحات واسعة من أراضي المواطنين الفلسطينيين في قرية النبي صالح شمال غرب رام الله الواقعة قرب مستوطنة "حلميش"  اليهودية.

لا نريد الحديث كثيراً عن سلوكيات هذا الرجل الفاسد المرتشي والكذاب الذي يقود اليوم أكثر حكومة إسرائيلية متطرفة في تاريخ إسرائيل دون أن نتحدث على ما يتوجب علينا كفلسطينيين المضي فيه وهو انجاز المصالحة الفلسطينية بالكامل سواء رغبت إسرائيل أو لم ترغب فلا شأن لإسرائيل بذلك ولا يعنينا ما تقوله أو يقوله رئيس وزراء حكومتها أو متطرفيها لعل الرد الحقيقي على  حديث نتنياهو العنصري أن نمضي كفلسطينيين في مصالحتنا الوطنية ونسارع في انجازها وصولاً لاستكمال وحدتنا الفلسطينية التي هي بالفعل السلاح الحقيقي في وجه التصعيد والاستيطان والتطرف العبري تجاه كل الحقوق الفلسطينية،  ولعل هذا يتطلب من الكل الفلسطيني طي صفحة الانقسام الأسود واعتباره شيئاً لم يكن وأصبح من الماضي، وهذا يتطلب منا كفلسطينيين أن نسارع لتجهيز جبهتنا السياسية الموحدة لنتحدى كل حديث وكل خطط لإسرائيل تريد إفساد مسيرة تحررنا وإقامة دولتنا الفلسطينية،  ولعل ذلك يتطلب انجاز ملف تمكين حكومة الوفاق الوطني وإتاحة الفرصة لها كاملة لتفرض حالة الأمن الطبيعية وإنفاذ القانون في غزة وتنهي في نفس الوقت أزمات غزة التي أعاقت وشلَّت حياة الناس هناك لأكثر من عشر سنوات حتى الآن، كما يتطلب انجاز ملف منظمة التحرير الفلسطينية لتحقيق الهدف الكبير وهو وحدة التمثيل السياسي الفلسطيني ووحدة الموقف واللغة السياسية ووحدة الإستراتيجية النضالية الهادفة لتحقيق المشروع الوطني ووقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق مقدساتنا وأرضنا وشعبنا الفلسطيني.