لا يُمكن وصف ردّة الفعل الإسرائيلية ضدَّ المصالحة الفلسطينية بأقلِّ من السلوك الهستيري الفاقد لكلِّ معايير الأخلاق والمنطق، بل الفاقد لكل معايير السياسة، فالقاعدة التي تقول: "إذا كان جارك بخير فأنت بخير" يعكسها إلى النقيض تحالف نتنياهو، وقيادات هذا التحالف أمثال بينيت وليبرمان، وينضم إليهم حاليًّا آفي غباي الليكودي الذي فاز مؤخّراً بزعامة حزب العمل أو المركز الصهيوني والذي يبدو كيميني متطرّف أُسنِدَت إليه سرقة اليسار الصهيوني إلى حظيرة اليمين، خاصّةً بعد إعلان أنَّه لا يريد أن تكون القائمة المشتركة "التي تمثِّل العرب في "إسرائيل" معه في أي شيء، على اعتبار أنَّه لا يوجد أي شيء مشترك معها، وهذا يؤكِّد مرة أخرى أنه يساري وصهيوني نموذج من المستحيل أن يتحقَّق، والأكاذيب سرعان ما تنكشف".

  لكن رغم هذه الهستيريا الإسرائيلية التي يبدو فيها نتنياهو الأكثر حذراً حتى لا ينزلق على المكشوف في معاداة الجهود الأميركية التي يواصلها الرئيس ترامب لإنجاح صفقته في التسوية السياسية المتوقَّعة، أقول رغم هذه الهستيريا على مستوى الاستيطان، والعدوان والاستفزازات ضدَّ القدس والأقصى، وهوس هدم البيوت، والتحريض المجنون ضد الفلسطينيين وسلطتهم الوطنية، فإنَّ اتفاق المصالحة الذي تمَّ إنجازه أخيرًا بجهود مصرية خارقة، واستمرار التحرك المتصاعد لدفن كلِّ ذيول الانقسام وإعلاء صرح المصالحة والوحدة قد أصابت زعماء اليمين بِلطمةٍ قاسية أفقدتهم الوعي تمامًا، وجعلتهم يتخبَّطون كمَن بهم مسٌّ من الجنون، خاصّةً أن لطمة المصالحة تتجلّى كل يوم في مشهد جديد، آخرها اضطرار الوفد الإسرائيلي إلى الانسحاب من المؤتمر البرلماني الدولي أمام شجاعة ومنطق المندوب الكويتي الذي طالب بخروجه بما يشبه الطرد، وكان المشهد العام برسم صورة مشوَّهة لإسرائيل التي يتنافس زعماء اليمين فيها على سدِّ الأبواب أمام أي بادرة أمل، بينما في العالم كله، خارج الغرف الإسرائيلية، فإنَّ الرواية الفلسطينية تتقدَّم، والرواية الإسرائيلية تزداد تهتكًا وتكشُّفًا، وهذا يزيد من حدّة الصراع واحتمالاته الخطيرة.

الشاذ والخارج عن المألوف في هذا المشهد، بينما تتقدَّم المصالحة في خطواتها نحو وعود عظيمة، ويتعالى الصراخ الإسرائيلي الشاذ بشكل كبير، ينضم إلى جانب العدو ذوو الأصوات النشاز الذين تجمَّدت عقولهم وأصواتهم عند الصورة السابقة الكريهة، ويعلنون أنفسهم مثل احتياط مجاني لصالح هستيريا اليمين الإسرائيلي، فيخترعون قضايا وهمية، ويفتحون حوارات تافهة، لا لشيء سوى أن يقولوا أن وعد المصالحة ليس مفتوحًا، بل تقف أمامه المستحيلات، وهذه هي الخيانة المجانية، التي يرقص فيها البعض رقصة العدو بالمجان، بلا أُفقٍ سوى أنَّهم أبناء الكراهية وأعداء كلِّ أمل.

  وعي شعبنا هو الأقوى، ومسيرة المصالحة انطلقت، ولن يوقفها كيدُ الكائدين ولا حقدُ الحاقدين، فأصواتهم المشروخة سوف تصيبهم بالصداع، أما ما يريده شعبنا فسيمكث في الأرض، ويصنع التاريخ الجديد.