قبل وصول الوفد الأميركي برئاسة جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس ترامب لعملية السلام للمنطقة في جولته الأخيرة، التي إنتهت يوم الخميس الماضي، اعلنت حكومة نتنياهو عن زيادة المبالغ المرصودة لبناء مستعمرة "عميحاة" بديل بؤرة "عمونة"، التي تم ترحيل مستعمريها، وهم لا يزيدوا عن أربعين عائلة إلى ربع مليار شيكل. كما أعلن نتنياهو وأركان حكومته عن عطاءات لبناء الآف الوحدات الإستعمارية في مستعمرات القدس، العاصمة الفلسطينية الأبدية، وتلازم ذلك مع الإعلان عن طرد العشرات من العائلات من المنطقة إي  لفصل العاصمة عن إمتدادها الجيوبولتيكي الطبيعي مع الضفة الفلسطينية، ولقطع الطريق على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وفي الوقت نفسه لضم مستعمرة "معالية أدوميم" للقدس، وبعد مغادرة المبعوث الأميركي ووفده، الذي لم يحمل شيئا من أجل بناء ركائز السلام، سوى انه طالب القيادة الفلسطينية وشخص الرئيس ابو مازن بعدم إستباق التطورات، ومنحه الفرصة خلال الشهور القادمة لبلورة ما يمكن تسميته الصفقة السياسية، اعلن امس نتنياهو شخصيا من مستعمرة "بركان" أنه لن يسمح بإزالة اي مستعمرة من الضفة الفلسطينية، التي إدعى "انها ارض إسرائيل" و"أرض الأباء والأجداد!؟"، عمقه بينت، وزير التعليم والمعارف، بأن المطلوب من الحكومة "إطلاق يد البناء الحر في أرض إسرائيل، دون تصريح او قيود من أي نوع." وأضاف يفترض ملاحقة ومعاقبة وإعتقال كل من يعارض هذه السياسة الإستعمارية.

هذه الخوازيق النتنياهوية تعكس السياسة الإسرائيلية القائمة والمعتمدة. والتي تتكامل مع رؤيته للسلام الذي اعلن عنه في المؤتمر الصحفي مع كوشنر، بأنه "بات اقرب من أي وقت مضى". قصد رئيس الحكومة الإسرائيلية به تعميق خيار الإستيطان الإستعماري، وتبديد خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وليس شيئا آخر ابدا. ولا يقتصر الأمرعند بيبي بإستقطاب قطعان المستعمرين في الضفة لصالح خياره، ولدعم بقاءه في سدة الحكم، انما هي قبل ذلك، جزء من سياسة منهجية مدروسة ومعدة سلفا في اروقة الإئتلاف الحاكم، أضف إلى انها أحد عوامل التنافس بين قوى واحزاب الحركة الصهيونية على مقاليد الحكم، وعلى حساب التسوية السياسية، وحقوق الشعب العربي الفلسطيني بحدها الأدنى.

وما اعلنه رئيس الإئتلاف الحاكم، إنما يؤكد من خلاله رفض اي صفقة سلام، تعمل لتحقيقها الإدارة الأميركية. هذا إن كان هناك صفقة من أصله. لإن هناك فرق بين الإعلان عن ذلك، وبين الواقع البائس الذي رشح خلال الفترة الماضية من سياسات إدارة الرئيس ترامب وفريقه للسلام. حيث مضت ثمانية اشهر طوال جمعت فريقه مع القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية عشرين مرة، وهو ما يكفي لبلورة رؤية لبناء عملية السلام. لاسيما وان الإدارة الحالية لم تبدأ من الصفر، انما جاءت بعد 23 عاما من المفاوضات، وإصدارالعديد من القرارات الأممية لصالح التسوية آخرها القرار 2334 الصادر نهاية العام الماضي، ووضع خطة خارطة الطريق الأميركية، ومخرجات مؤتمر انابولس، ومصادقة القمة العربية على مبادرة السلام العربية 2002 ... إلخ وبالتالي رد نتنياهو بينت على زيارة كوشنر الأخيرة، لا يحتاج إلى كبير جهد لمعرفة ما يرمي إليه. الأمر الذي يفرض على الرئيس الأميركي وفريقه التدخل المباشر الآن، وليس غدا لمطالبة حكومة اليمين المتطرف بوقف البناء في المستعمرات الإسرائيلية المقامة على ارض دولة فلسطين المحتلة عام 1967 دون تردد او تعلثم، إن كانت فعلا معنية ببناء مداميك وقواعد للسلام الفلسطيني الإسرائيلي. لإن خوازيق نتنياهو لن تبقى، ولن تذر، ولن تبقى بقعة ضوء مهما كانت شحيحة في طريق التسوية السياسية.