رضخت حكومة نتنياهو فجر الخميس الموافق 27 تموز الماضي لإرادة الشعب وفعالياته الروحية وقيادته السياسية، فازالت كل إنتهاكاتها من امام بوابات المسجد الأقصى، التي كانت تحول دون ممارسة المؤمنين لعباداتهم. رفعت كاميراتها ومسجاتها وجسورها، بعد ان كانت رفعت يوم الثلاثاء الماضي الموافق 25 تموز البوابات الألكترونية، وايضا أذعنت حكومة المتطرفين المستعمرين ذليلة تحت ضغط الجماهير الفلسطينية قبل صلاة عصر الخميس، وفتحت باب حطة، الذي حاولت ان تبقيه مغلقا، اولا لجس نبض الشارع الفلسطيني تجاه إغلاقه، وكذريعة لإفتعال الصدام مع المواطنين الفلسطينيين، الذين هللوا وكبروا لإنتصارهم على إرادة الجلاد الإسرائيلي.

هُّزمتْ حكومة الإئتلاف اليميني المتطرف الإسرائيلية، وهزم معها كل من تواطىء معها وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، وكل من إعتقد ان الشعب العربي الفلسطيني، لم يعد قادرا على الدفاع عن حقوقه الوطنية وعن مقدساته الدينية المسيحية والإسلامية. وإنتصرت فلسطين الشعب والقيادة الشرعية والفعاليات الدينية. إنتصرت بوحدتها، التي ضمت كل الوان الطيف السياسية والإجتماعي والإقتصادي والثقافي والديني، وبتأكيدها السيادة على الأرض الفلسطينية وخاصة في العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية، وبتعميقها مكانة القدس الشرقية كعاصمة للشعب والدولة الفلسطينية، وكخط احمر في النضال الوطني التحرري الفلسطيني، لا يمكن تجاوزه او التطاول عليه وعلى اهميتها (القدس) الإستراتيجية في البرنامج السياسي الفلسطيني، وأجبرت المبعوث الأميركي جيسون غرينبلات على الإتصال بالقيادة الفلسطينية، لاسيما وانه لم يضع في اجندة زيارته اللقاء مع القيادة الفلسطينية، معتقدا أن الربط والحل عند بعض الأشقاء العرب وإسرائيل، لكنه إكتشف بؤس وعقم تقديراته وتقديرات قيادته، هذا وأظهرت هبة القدس العظيمة عمق التداخل والترابط الديالكتيكي ما بين السياسي والديني، والتكامل بينهما لصالح السياسي الوطني، حيث أكد رجال وفعاليات الدين إلتزامهم بقرارات الشرعية الوطنية. وبالمقابل أكدت عمليا رفض كل الإجراءات والإنتهاكات والجرائم الإسرائيلية، وأثبتت إفلاسها وبؤسها.

وهذا ما عبر عنه نفتالي بينت، عندما عقب على خضوع نتنياهو لإرادة الشعب الفلسطيني، بالقول:" أن الحكومة الإسرائيلية خرجت من المعركة ضعيفة." وهذا تعبير مخفف عن الهزيمة الساحقة لخيار اليمين المتطرف الإسرائيلي عموما ونتنياهو خصوصا. لانها ازالت كل ما وضعتة امام بوابات اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. وكانت قيادات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمنابر الإعلامية وكتاب الرأي، أكدوا في معظمهم على ان الهبة الشعبية مسخت مكانة حكومة نتنياهو، وأضعفت الثقة به في اوساط الإسرائيليين. والبعض ذهب بعيدا في إستنتاجه، معتقدا أن تعثر وهزيمة نتنياهو امام الشعب والقيادة في العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المحتلة، ستؤدي للإسراع برحيله عن كرسي الحكومة، لإنها صبت الزيت على نيران قضايا الفساد، التي تلاحقه وتطارده.

مع ذلك على الشعب الفلسطيني وفعالياته الروحية وقيادته الشرعية التنبه للسيناريوهات، التي يمكن ان تلجأ لها حكومة اليمين المتطرف. لإنها لن تستسلم، ولن تمرر الهزيمة هكذا، بل ستعمل على إستعادة زمام المبادرة لفرض رؤيتها وخيارها الإستعماري على حساب عملية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. وقد تلجأ للإيغال في الدم الفلسطيني، وتصعيد عمليات الإستيطان والتهويد والمصادرة والأسرلة للارض الفلسطينية المحتلة، وإعلان البناء لمئات وألاف الوحدات الإستيطانية في المستعمرات المقامة في القدس، وتشريع قانون القدس، الذي طرح على الكنيست للمصادقة عليه، ويستهدف تعطيل اي إنسحاب إسرائيلي من القدس العاصمة، وبالتالي إفشال الحل السياسي، وغيرها من السيناريوهات الخطيرة، التي تمس بمستقبل الشعب الفلسطيني وأهدافه السياسية في الحرية والإستقلال وتقرير المصير والعودة والمساواة.

وهو ما يتطلب الإستعداد للمواجهة مع حكومة اليمين المتطرف على أكثر من مستوى وصعيد في المدى المنظور. ولكن هذا الإستعداد لن يحول دون مشاعر العزة والفخر الشموخ، التي تلازمت مع الإنتصار العظيم على حكومة نتنياهو عبر تكبير وتهليل ابناء الشعب الفلسطيني عموما والمقدسيين خصوصا، اصحاب الفضل الأول والأساسي في هزيمة الصهاينة الإسرائيليين. كما لن يؤثر على فرحة وإعتزاز ابناء الشعب الفلسطيني بارادتهم وقدراتهم الكفاحية الرائعة إدعاء العديد من القيادات والدول العربية والإسلامية وغيرها، انها "صاحبة" الفضل في ما تحقق. ومع ذلك نقول لكل الأشقاء والأصدقاء شكرا لكم على ما بذلتموه، ولكن لا تبالغوا في تأثير بيانات الشجب والإستنكار على نتنياهو وإئتلافه الحاكم، لإن السواعد السمراء في القدس مع قيادتها السياسية، هي من هزم رئيس حكومة إسرائيل واركان إئتلافه المتطرف الحاكم.