في صراع تاريخي ودامٍ كالصراع العربي الإسرائيلي، توجد محطات عدة يتوجّب على أي عربي الاطلاع عليها بكل دقة ليعي التاريخ الحقيقي لهذا الصراع، حيث أنَّ هناك تغييباً عامّاً لمجموعة هامّة من الحقائق عن العديد من أبناء الشعب العربي.

البعض من إخواننا العرب يظن بأنَّ إسرائيل هاجمت فلسطين فتصدّى لها الجيش الفلسطيني الذي خسر الحرب فتم احتلال أرضنـــا.

البعض عن قصد ما ينفك يردد المقولات السخيفة عن (بيع فلسطين) و(عن بيع الأراضي الفلسطينية) وعن عدم صمود الفلسطيني على أرضه .

اليوم أدعو القارئ الكريم ليتذكّر معي كيف أنَّ احتلال فلسطين تمَّ في كلٍّ من العام 1948 و1967م بعد اندلاع حرب عربية – إسرائيلية أدّت الى خسارة فلسطين كاملةً وسُمِّيت تلك الحروب - الهزائم بالنكبة وثُمَّ النكسة .

في النكبة والنكسة خسر الفلسطيني كل وطنه ..

خسرنا وطننا وأرضنا وحريتنا.. حياتنا  ومجتمعنا .

وتحوَّل الفلسطيني من يومهـــا إمّا إلى لاجئٍ أو نازحٍ أو محتلٍ أو مغترب.

والبعض الآخر منا أصبحت تسميتهم بعرب إسرائيل .

نعم بتنا لاجئين في الدول التي خسرت جيوشُها الحربَ على أرضنــــا، وأصبحنا نسكن في مخيّمات مُقفَلة ومعزولة أُعدَّت لاستقبالنا وكأنّنا مجرد كائنات فضائية يُمنَع عليها الاختلاط، وتُحرَم من أدنى حقوقها الإنسانية الطبيعية.

بِتنا نازحين نُعامَل معاملة مواطنٍ درجة ثانية وثالثة في بعض الدول التي تتسابق أحزابها السياسية لاستخدام فلسطين والقدس واللاجئين شمّاعةً لها.

وتحت الاحتلال أضحى على عاتقنا كفلسطينيين أن نقوم بتحرير ما خسره كل  العرب في الحرب، وأصبح مطلوباً منا تحرير قِبلة المسلمين الأولى والحفاظ عليها مقابل انشغال العرب بالخطابات والاجتماعات والتنديدات .

وغاب عنهم أنَّه لولا تركيبة الفلسطيني وقدرته على البقاء والصمود لما كان هناك قدس ولا أقصى ولا فلسطين .

وتحوّلنا كذلك إلى مغتربين نسعى وراء لقمة العيش وهدفنا الاساسي دعم أُسَرنا في الوطن. فنعيش في الغربة ونفتقد حقّنا بالعودة إلى البلاد، إذ إنَّ كل مغترب يملك الحق والقدرة على زيارة بلده والعيش فيه لو أراد ما عدا الفلسطيني .

أمَّا أهلنا ممَّن صمدوا في أراضينا التاريخية فبات ممنوعاً عليهم دخول أي دولة عربية وأُسقِطَت عنهم عروبتهم شيئاً فشيئاً، إذ إن الجيوش التي انهزمت والأنظمة التي ضيعت فلسطين نسيت أن تخرجهم من فلسطين فبقيوا فيها حاملين جواز سفر المحـــتل مفتقدين لأي خيار آخر حينها.

ببساطة نحن كنا ضحية هزيمة الأمّة منذ سبعة عقود .. ولليوم ندفع ثمن الضَّعف والتراجع العربي أسرى وشهداء..

لقد استطاع الشعب الفلسطيني أن يتجاوز كل ما سبق.. وها نحن اليوم نقدِّم نموذجاً منفرداً للنضال والتمسك بالحقوق و الثوابت. وها هو العالم يتجاوب مع الحق الفلسطيني بعد أن أثبتنا أنّنا نستطيع ونستحق الحياة على أرضنا .

لا يمكننا أن ننكر وجود دعم عربي ولكنه قطعاً غير كافٍ لو أخذنا بعين الاعتبار بأنَّ فلسطين ضاعت على يد العرب أنفسهم وأن على عاتقهم تقع المسؤولية الأخلاقية والقومية في عملية التحرير لفلسطين وفي عملية دعم صمود الفلسطيني هنـــاك وفي كل مكان .

الكل  العربي يجب أن يكون مع فلسطين سواء أكان نظاماً أو شعباً أو منظماتٍ سياسية أو حقوقية .

اليوم يُعاد الحديث علانيّةً عن نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس .

القدس، التي بموجب القانون الدولي جزؤها الشرقي عربي فلسطيني .

القدس التي تحتضن المقدسات الإسلامية والمسيحية وتُعدُّ بموجب القانون عاصمةً لدولة فلسطين .

القدس التي أضاعهـــا العرب مرتين .

اليوم يجري الإعداد بوضوح على يد القادم الجديد الى البيت الأبيض.. السيد ترامب.. لنقل سفارة (الحليف) و(الصديق) و(الشريك) الأمريكي إلى القدس .

فمـــاذا أنتم فاعلون يا عرب!!!!

فلسطينياً إنَّ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيُشكّل مزيداً من الإحباط والغضب قد يؤدي في أية لحظةٍ الى إنفجار، كذلك إنّ نقل السفارة الأمريكية الى القدس قد يمنح مبرراً لحركات التطرُّف لتجد مَن يستمع لتطرفها وجنونها بشكل أكبر.

وإني من منطق المؤيّد للتسوية والسلام، والمؤمن بالحق الفلسطيني والداعم لحل الدولتين، أقول بأن نقل السفارة الأمريكية للقدس خطأ استراتيجي ونتائجه الآنيّة والمستقبلية تشكّل خطراً على الجمـــيع.