بوصول طائرتي الشبح اف – 35 من الولايات المتحدة الاميركية الى فلسطين، ستزيد من قوة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، واتساع قدرته الهجومية كي تصل طائراته المقاتلة الى قلب المواقع من الاهداف البعيدة، المعتبرة في نظر قادة تل ابيب على انها اهداف عدوانية مستهدفة، وطالما ان اذرعتهم العدوانية باتت اطول واقوى فهم يسيرون على النهج المتواصل المعتمد على القوة وعلى القوة وحدها، في بقاء هذا المشروع واستمراريته وغلوه وتماديه في سياساته العدوانية التوسعية .

صحيح ان القوة وامتلاكها هي احد مصادر التفوق والبقاء والاستمرارية ولكن ألم تكن بريطانيا العظمى قوية حينما تراجعت ؟ ألم يكن الاتحاد السوفيتي مالكاً لترسانة لا تُضاهى من الأسلحة حينما انهار ؟ الم تكن فرنسا مالكة للتفوق على الشعب الجزائري الفقير ؟ الم تكن الولايات المتحدة مالكة لقوة جبارة غير مسبوقة حينما هُزمت في فيتنام، وبعد عشرات السنين في افغانستان، وهرولت من العراق ؟ .

بل الم يكن المشروع الاستعماري الإسرائيلي نفسه متفوقاً حينما تمت هزيمته في جنوب لبنان، وبات رحيله مطلباً للناخبين الإسرائيليين، ونجح يهود براك على هذا الأساس، وسحب قواته الاحتلالية من الجنوب اللبناني حينما تولى رئاسة الحكومة ؟ بل ألم يكن العدو الإسرائيلي وأجهزته وقواته هي مالكة التفوق على كل المستويات على الفلسطينيين المحاصرين والعزل وعلى شباب الانتفاضة حينما اختار رجل “ تكسير العظام “ “ اسحق رابين “ بطل إسرائيل “ أن يعترف بالعناوين الثلاثة : الشعب الفلسطيني، ومنظمة التحرير، والحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، ويوقع اتفاق أوسلو، وينسحب من المدن الفلسطينية بشكل تدريجي متعدد المراحل من غزة وأريحا أولاً ويسمح لأول مرة بعودة أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني الى وطنهم مع الرئيس الراحل ياسر عرفات ؟ وألم يدفع اسحق رابين حياته ثمناً لأوسلو لأن اليمين الإسرائيلي المتطرف قام باغتياله لأنه “ خان إسرائيل “ وتنازل عن جزء من أرض التوراة ؟؟ .

بل ان شارون المتطرف والمقاتل الشرس والعدواني حتى نخاع العظم، الم يتم ارغامه على ترك قطاع غزة المتواضع، بعد فكفكة المستوطنات وازالة قواعد جيش الاحتلال، بسبب ضربات المقاومة الفلسطينية باسلحتها البدائية وشجاعتها المتواصلة، وان كان ثمن ذلك، ثمن الانتفاضة الثانية استشهاد القادة ابو عمار واحمد ياسين وابو علي مصطفى وفتحي الشقاقي والعديد من قادة حماس والجهاد ؟؟ .

القوة وحدها لا تكفي كي تجعل المشروع السياسي ناجحاً وامناً ويحظى بالبقاء والديموية، فالقوة مطلوبة، وهي عنصر رادع للعدو، ولكن القوة ومصدرها واستمراريتها مرهونة بعوامل غير ثابتة، متحركة متغيرة، ولو كانت القوة وحدها مصدر الديمومة والاستمرارية لما تم هزيمة دولة الخلافة الاسلامية، وبريطانيا العظمى، والاتحاد السوفيتي، والمانيا النازية، ولما تراجعت قوة الولايات المتحدة الان امام مبادرات روسيا الهجومية، وضربات داعش الانتحارية، وصمود القاعدة الجهادية !! .

القوة يجب ان تكون مصحوبة بالعدالة والحق والمنطق وعدم العدوان على الآخرين، ولذلك على الرغم من تفوق المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي على المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، ولكنه فاقد للعدالة، وسياساته واجراءاته مكشوفة، وهي تتعارض مع القرارات الدولية وحقوق الإنسان، وبرمته يفتقد للشرعية القانونية والإنسانية، وشرعيته الوحيدة هي شرعية الغاب، شرعية القوي المستبد المحمي من قوة طاغية هي قوة الولايات المتحدة، وتفوقها المرهونة لنفوذ الطائفة اليهودية ذات الولاء والنهج والتطلع الصهيوني .

لن تستمر قدرات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الى الابد، بل هي قدرة التفوق الذاتي، المرتبط بقوة الولايات المتحدة وقوة نفوذ الطائفة اليهودية لديها، وضعف المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، ليس ضعفاً ابدياً مستوطناً بل هو ايضاً ضعف مؤقت انتقالي مرحلي، باق طالما ان الفلسطينيين بمكوناتهم الثلاثة : 1- ابناء مناطق 48، و2- ابناء مناطق 67، وابناء اللاجئين في المخيمات وبلدان الشتات، غير موحدين على برنامج سياسي مشترك، ولا يملكون مؤسسة تمثيلية موحدة، وتائهون عن الادوات الكفاحية المناسبة كي يستعملونها ! .

اسرائيل مازالت قوية، وفلسطين مازالت ضعيفة، ولكن ذلك ليس ابدياً وكلاهما لن يبقى اسيراً لحالته، بل سيتغير الوضع لكليهما، وستتغير الظروف والمعطيات، وهي متحركة وستتحرك بفعل الظلم والطغيان، نحو الحرية والكرامة وحق الإنسان في الحياة .