على هامش تعمق وتوسع اندلاق المجتمع الاسرائيلي ببناءيه الفوقي والتحتي الى دوامة الفاشية، تستشعر مجموعات صغيرة الخطر على مستقبلها ومستقبل ابنائها وبالتالي على مصير اسرائيل نتاج إفلاس وعقم سياسة الحكومة الاسرائيلية، ما حفز مجموعة جلها من العسكر على توجيه الانتقاد لحكومة الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم، لعدم اتخاذها إجراءات جدية وحقيقية لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. لاعتقاد أعضائها ان الخطر الاهم، يتمثل في القنبلة الديموغرافية الفلسطينيةـ وأثر ذلك في تكريس الدولة الواحدة، التي لن تكون بأي حال في مصلحة اليهود الصهاينة.

أكثر من مئتي ضابط من الجيش الاسرائيلي، بعد حوار داخلي على مدار شهرين خلت بينهم، شكلوا إطارا جامعا لهم بعنوان "قادة من اجل أمن إسرائيل"، اعلنوا عنه يوم الجمعة الموافق (27 ايار الماضي) وأقرنوا الاشهار بطرح مبادرة اقليمية لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. تضمنت الآتي: ضرورة إسراع الحكومة الاسرائيلية باعلان استعدادها الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران 1967؛ والعمل على ترسيم الحدود النهائية لإسرائيل، تكفل اغلبية يهودية متينة فيها، وتضمن طابعا ديمقراطيا؛ ودعت المجموعة لإشراك الكل الفلسطيني بما في ذلك حركة حماس؛ واشارت المبادرة إلى لقاء المصالح مع دول الاعتدال العربية، وللمنافع الجمة المترتبة على تسوية الصراع، وعلى رأسها الاعتراف والشرعية من قبل العالم العربي والمجتمع الدولي.

 وكان رئيس المجموعة، أمنون ريشيف إنتقد ما اسماههم بـ"المروجين للخوف"، الذين يقولون، انه لا يوجد شريك فلسطيني. وأكد على وجود الشريك، ولكن المشكلة في مزاعم الائتلاف الحاكم، القائلة "ان التسوية ستمس بأمن إسرائيل. وهذا غير صحيح من وجهة نظرهم، الذي تدعمه الوقائع على الارض. كما حذرت المجموعة من "المحافظة على الوضع الراهن، والعمل بمنطق إدارة الصراع، بدل العمل على حله. لأن ذلك سيؤدي باسرائيل إلى دولة "ثنائية القومية".

 لكن "قادة من اجل امن إسرائيل" إمتنعوا عن تحديد موقف واضح من قضايا جوهرية في الصراع، منها: القدس واللاجئين وغيرها، وذلك بهدف حشد اكبر قطاع من المناصرين لرؤيتهم المنادية بالتسوية السياسية، وتفادي الانزلاق نحو الدولة الواحدة. وهذه نقطة ضعف واضحة في المبادرة. لان المجتمع الاسرائيلي المتجه بخطى حثيثة نحو الفاشية والغارق حتى أذنيه في العنصرية بحاجة الى من يقرع الجرس بقوة من اخطار سياسات الائتلاف الحاكم، الذي أَدخل الدولة برمتها في دوامات الانحطاط والعنف وارهاب الدولة المنظم. وهو ما نبه اليه رئيس الموساد السابق، مائير دوغان، عندما قال، انه "لا يخشى اعداء إسرائيل المحيطين بها، بل يخاف عليها من قادتها". وعمق ذلك الجنرال عميرام لفين، نائب رئيس الموساد السابق، وهو من اركان المجموعة، بالقول، ان إسرائيل "بحاجة لقيادة تحسن شروط الحياة لمواطنيها، بدلا من الانشغال بترهيبهم", داعيا بشكل غير مباشر "لاسقاط نتنياهو".

مع ذلك تعتبر مبادرتهم خطوة مقبولة ومختلفة نسبيا عن الاتجاه العام السائد في المشهد الاسرائيلي، لاسيما وانها تتناقض مع رؤية وسياسات وممارسات الحكومة المتطرفة، وتستجيب للمبادرة الفرنسية والافكار المصرية وقبل ذلك للشريك الفلسطيني، المتمسك بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وتأمين حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194. الامر الذي يملي على القوى والدول المعنية بخيار التسوية السياسية دعم توجهات "قادة من اجل امن إسرائيل"، وتحفيزهم لاعلان مبادرتهم بشكل متكامل دون غموض او التباس.