عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الخليفة الثاني، الذي كان قد أوقف العمل بحد قطع اليد عن السارق في عام المجاعة، وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه الذي قال: "عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، ألا يخرج على الناس شاهرًا سيفه"، يعلمان تماما ان تطبيق الحدود في نظام الدولة الإسلامية، ليس اختياريا للحاكم، بل فرض وواجب كونها تتعلق بشرع الله، لكن عمر بن الخطاب تجرأ بخشية وايمان، وقراءة لشرع الله بعين حاذقة، وعَلمَ بفطنته، إن الله الذي خلق البشرية، لا يحب أن يراها جائعة، أو لاهثة طلبا لكرامة حياة، وكان لديه الشجاعة ليتحمل المسؤولية عن توفير سبل العيش الكريم للأمة التي يحكمها، ومطلوب منه رعاية شؤونها.

صحيح ان ما سبق ليس في العصر الحديث، وانما في عصر الخلافة، لكن اختلاف العصور لا يبدل في الحدود ولا في احكامها، ولكن كما يبدو فان الامر يتعلق بالمصالح في الاختيار، بما يتناسب وما يخدم سياسة البقاء، وتلون السياسة.

سلطة حماس التي هلل مشايخها وكبروا، لتنفيذ احكام الاعدام فجر امس في غزة، باعتبارها تنفيذا لشرع الله، يعلمون ان الشرائع معطلة، لعدم وجود دولة الخلافة، ولا امير للمؤمنين ليطبق شرع الله، وكان اولى بمن ينحاز لتطبيق الشريعه قبل قيام الدولة، ان يلتزم بكلها، وليس بجزئها، بأن يأخذ ما يريد وفقا لمصالحه واهوائه السياسية، ويترك ما يتعارض معها.

لقد كان اولى بمشايخ الحركة ممن هللوا وكبروا، ان يجروا ولو بحثا صغيرا عن احوال الناس، ومستوى معيشتهم، عن صحتهم، وعن الاحباط الذي يعشش في نفوسهم جراء ضنك العيش، وبسبب سوء ظروفهم، وجراء الضغط اليومي، وما تفرضه سلطة حماس من ضرائب وانظمة وتعليمات، وما تسببت به من حصار بسبب سوء ادارتها لدفة السياسة، الامر الذي جعل الحياة شبه مستحيلة، الا على من كان من المؤلفة قلوبهم، وممن يعيش في كنف مجلس ولاية الفقيه.

احكام الاعدام الثلاثة التي نفذتها سلطة حماس فيمن قالت حماس انهم مدانون بالقتل العمد، كان قد اخبرنا عنها إسماعيل جبر، الذي نصبته حماس " نائبا عاما" في غزة، في مؤتمر صحفي، يوم الثلاثين من كانون الثاني الماضي: "إن النيابة العامة حصلت خلال عام 2015 على ثلاثة أحكام إعدام لدى محاكم البداية، ولم ينفذ أي حكم منها بسبب عدم موافقة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عليها حسب القانون"، بمعنى ان مصادقة الرئيس شرط للتنفيذ ليصبح وفقا للقانون، كما قال جبر، لكن سرعان ما تم تجاوز هذا الشرط بفتوى من سلطة حماس بان التنفيذ تم وفق مصادقة اعضاء حماس في المجلس التشريعي باعتباره البديل الشرعي عن سلطة الرئيس، وبحسب رأيهم بانها منتهية ولايته.

سلطة حماس التي نفذت احكام الاعدام، ارتأت مجددا، ان تستمرئ حالة الاستقواء على قطاع غزة، باعتبارها سلطة الامر الواقع، وفصلت لنفسها غطاء من بنات افكارها، وليس وفقا للقانون، الذي يشترط تصديق الرئيس على احكام الاعدام، وقيدها بضمان المحاكمة العادلة، والعدالة الجزائية، والحقوق الأساسية للإنسان، هذا ان كانت المحاكم اصلا مشكلة تشكيلا صحيحا، ومن تلك الضمانات ما نصت عليه المادة (327) من قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001 على أن " تستأنف بحكم القانون الأحكام الصادرة بعقوبة الإعدام والصادرة بعقوبة السجن المؤبد ولو لم يتقدم الخصوم بطلب ذلك"، وكذلك المادة (350) بانه " يتم الطعن بالنقض بحكم القانون في جميع الأحكام الصادرة بالإعدام أو بالحبس المؤبد حتى ولو لم يطلب الخصوم ذلك"، والضمانة الثانية، تتلخص بعدم تنفيذ حكم الإعدام إلا بعد التصديق عليه من رئيس الدولة، وفقا لنص المادة (109) من القانون الأساسي الفلسطيني على أن "لا ينفذ حكم الإعدام الصادر من أية محكمة إلا بعد التصديق عليه من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية"، وبذات المضمون نصت المادة (409) من قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001 على أن "لا يجوز تنفيذ حكم الإعدام إلا بعد مصادقة رئيس الدولة عليه"، واخيرا تجاوز حق الرئيس باستخدام حق العفو الخاص للرئيس، الذي منحه اياه القانون الأساسي، وفقا للمادة (42) عن أي عقوبة أو تخفيضها.

وللتذكير فيما يخص تاريخ عقوبة الاعدام، فانه منذ قيام السلطة الوطنية في العام 1994، وحتى نهاية ايار من العام الحالي، فقد صدر في عهدها (181) حكماً بالإعدام بحق مواطنين طبقاً لإدانة في جرائم مختلفة، كان منها (151) حكماً في قطاع غزة، 62% منها صدرت بعد الانقلاب في تموز 2007، ومنذ قيام السلطة الوطنية في العام 94 تم تنفيذ 35 حكماً بالإعدام، كان منها 33 نُفذت في قطاع غزة، ومن بين الأحكام المنفذة في قطاع غزة، نُفذ 22 حكماً منذ العام 2007، دون مصادقة الرئيس خلافاً للدستور والقانون.

وحتى لا يتسلل لوعي البعض ان معارضة عقوبة الاعدام حتى وان تم تنفيذها من قبل السلطة الشرعية، ووفقا للقانون والاجراءات المطابقة للاصول، بانها تشجيع على الانفلات والفوضى، او السماح بافلات أي مجرم من المحاكمة والعقاب، فان التاكيد واجب على ان الجريمة والمجرمين بالطبع تستوجب عقوبة رادعة، لكن الثابت في مختلف دول العالم، ان عقوبة الاعدام لم تحقق مقصد الردع، ولم توقف ظهور الجريمة من جديد، ولكونها العقوبة الوحيدة التي لا يمكن التراجع عنها في حال تنفيذها، إذا ما اتضح براءة من نفذت فيه، ولهذا فان البحث عن ابتداع عقوبة رادعة، ووقف العمل بعقوبة الاعدام لا تعارض بينهما.

ان ما تحتاجه غزة، اليوم، ليس الاسراع لتنفيذ احكام الاعدام، بل السعي لمعالجة اسباب الجريمة، وتوفير الكرامة الانسانية، والاهتمام بتحسين الوضع الصحي والغذائي والاجتماعي، وتشجيع المواطنين على البقاء بدل دفعهم للهجرة في ظروف خطرة، وغرقهم في اواسط البحار، اما ما حدث، فليس من وصف يليق به، باقل من انه "إعدام خارج نطاق القانون"، نفذته حركة تتخطى وتتجاوز اعلى سلطة قانونية متمثلة بالدستور، وتغتصب القوانين، وتعيد صياغتها بما يتوائم مع فكرها ونهجها ومصالحها.