منذ نشأت دولة إسرائيل، عملت على تمزيق وحدة صف الفلسطينيين، الذين تجذروا في ارض الآباء. وقسمتهم الى طوائف ومذاهب، وجندوا بعض من تساوق مع الحالة الجديدة. كما اشتروا ذمم بعض العملاء. وسلحوا البعض في مواجهة الغالبية الساحقة من الجماهير. وتغاضت عن وجود الاسلحة بايدي اللصوص ومتعاطي المخدرات في كل المدن والقرى العربية. ونتاج ذلك، سقط بالرصاص غير المرخص في البلدات العربية 1100 شخص منذ عام 2000. ولم تفعل اجهزة الامن الاسرائيلية شيئا يذكر، سوى متابعات شكلية. بل سعت لتعميق الخلافات والتناقضات بين ابناء الشعب الواحد، لتحقيق مآربها العنصرية والتطهيرية العرقية.

ولمجابهة ظاهرة الاسلحة غير المرخصة في الوسط العربي دعا العديد من النواب ورؤساء المجالس المحلية ولجنة المتابعة العربية حكومات إسرائيل المتعاقبة واجهزتها المختصة لسحب تلك الاسلحة. وملاحقة مرتكبي الجرائم. غير ان صوتهم، كان بلا صدى. لكن بعدما حصلت عملية ديزنغوف في الاول من كانون الثاني الجاري، ونتيجة ضغط الشارع الاسرائيلي تجاوب اركان الحكومة مع موضوع تلك الاسلحة المنتشرة في الوسط العربي. واخذت تتوالى تصريحات وبيانات قادة الائتلاف والمعارضة على حد سواء بضرورة سحب الاسلحة من البلدات والمدن العربية. مع ان السلاح الذي استخدمه نشأت ملحم، كان سلاحا مرخصا.

لكن السؤال المهم، هل يقتصر الامر على الاسلحة غير المرخصة في الوسط العربي ام على كل الاسلحة المنتشرة في ايدي العصابات اليمينية المتطرفة وقطعان المستعمرين، التي تهدد مصير ابناء الشعب الفلسطيني في داخل الداخل وفي اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967؟ في الحقيقة الخطر الداهم والمتفاقم، يكمن في الانفلات غير المسبوق للاسلحة في ايدي تلك الجماعات "تدفيع الثمن" و"الهباة" و"فتيان التلال" والمافيات الاسرائيلية وتجار المخدرات، الذين يعيثون فسادا في اوساط المجتمع. لأن القيادات الاسرائيلية السياسية، هي من سمح بانتشارها بذريعة "الدفاع عن الذات" اليهودية الصهيونية. أضف إلى ان القيادات اليمينية المتطرفة، تغض النظر عن تسرب وانتقال الاسلحة بوجه غير قانوني وعلى اساس الخلفية العنصرية.

إن تفشي ظاهرة السلاح غير المرخص في إسرائيل، تعكس الطبيعة المكونة لدولة التطهير العرقي، القائمة على قانون الغاب والقتل والاستئثار عبر تعميم الاسلحة والارهاب بكل الوانه واشكاله: الاحتلال والاجتياحات والحروب. وبالتالي ارتفاع الاصوات راهنا عن الاسلحة المنتشرة بشكل غير قانوني داخل المجتمع الاسرائيلي، لا يعدو ان يكون ردة فعل مؤقتة، لأن انتشار الاسلحة، لم يأت من فراغ او بشكل عفوي. بل له خلفية مدروسة ووفق منهجية سياسية مخطط لها مسبقا.

لذا فإن الضجيج الاعلامي الرسمي والاعلامي حاليا، ليس سوى إرضاء للمزاج الاسرائيلي العام، وشكل من اشكال الضحك على الذقون. لأن الدولة الاسرائيلية لا تقوم إلا على قانون الغاب. ولا تستقيم الحياة فيها مع روح القانون والعدالة، رغم إدعاء قياداتها بعكس ذلك. مع ذلك، لا يوجد مواطن فلسطيني في الجليل والمثلث والنقب، بغض النظر عن موقعه السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي إلا ويتمنى ان تسحب اجهزة الامن الاسرائيلية الاسلحة غير المرخصة من الجميع. لان ذلك من مصلحتها. ولكن حكومة نتنياهو، لن تفعل، لان ذلك ليس في مصلحتها الاستراتيجية، ولعل ما جاء على لسان وزير التربية والتعليم، بينت عن حوادث الطرق، وعدد القتلى الذين يسقطون فيها، وانه يفوق عدد القتلى في ديزنغوف، يحمل جواب الحكومة على الشارع الاسرائيلي والحملة المضادة لانتشار الاسلحة، اولا للتخفيف من تداعياتها؛ وثانيا بقاء الامور على حالها، وهو خيار الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.