العديد من المفكرين الماديين والمثاليين تعرضوا لفكرة ودور المؤامرة في التاريخ وحياة الشعوب والدول. البعض أنكر كليا اي دور للمؤامرة. وركز على دور الشعوب. البعض الآخر عول على دور المؤامرة في صناعة التاريخ وتغير الانظمة السياسية. وبعض آخر، ربط بين البعدين.
من المؤكد ان الشعب في اي بلد من بلدان العالم، وقواه السياسية بغض النظر عن خلفيتها الفكرية والعقائدية، تلعب الدور المقرر هنا او هناك، بمقدار قدرتها على حمل آمال واهداف الشعب في لحظة تاريخية محددة. غير ان هذا التأكيد، لا يسقط دور القوى الخارجية في التأثير بمسيرة هذا الشعب او ذلك. ويتضاعف او يتقلص دور العامل الموضوعي ارتباطا بتركيبة الشعب، وطبيعة التناقضات الداخلية، بمعنى هل التناقضات ذات طبيعة اجتماعية/ طبقية أم دينية ام اثنية ام هي خليط مركب من كل ما ذكر؟ وما هي طبيعة النظام السياسي، هل هو نظام ديمقراطي ام بوليسي؟ وهل هو حليف للغرب الرأسمالي ام في تناقض معه؟ والاهم ثروات الدولة، ومدى حاجة الولايات المتحدة لها؟ وهل هذا النظام السياسي او ذاك يحاول الخروج من شرنقة التبعية للغرب؟ وهل يهدد دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية ام ينسق معها؟
إذا من حيث المبدأ، لا يجوز إنكار دور المؤامرة او الخشية من الاقرار بها. لان نجاح المؤامرة هنا او هناك، مرهون بالتركيبة الداخلية لهذا الشعب او ذاك. وبمقدار ما تتسع دائرة التناقضات والصراعات، بمقدار ما تتمكن القوى الخارجية من العبث بمصير النظام السياسي في هذا البلد او ذاك. وهذا لا ينتقص من العامل الذاتي (الشعب)، ولكن يؤثر في حياته ومسيرته.
ومن يعود للحالة العربية القائمة منذ عام 2011، يلحظ جيدا، ان الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل ومن لف لفهما، رسمتا سيناريوهات لاعادة تقسيم شعوب ودول العالم العربي قبل انطلاق شرارات الثورات العربية. واستفادت جيدا من فساد ويأس الانظمة الدينية والطائفية والمذهبية، وتعمق التناقضات المركب، الذي سمح للعامل الموضوعي النفاذ إلى ساحات وميادين الدول. وعمقت عبر آلة إعلامها وسياساتها المرسومة بدقة التناقضات الدينية والطائفية، لان سيناريوهاتها، هدفت الى تمزيق الدولة الوطنية إلى دويلات بعباءة مسخ بالاثواب المذكورة آنفا. وما الصراع المحتدم بين الجماعات التكفيرية، التي توالدت كالفطر في السنوات الاخيرة باسماء وعناوين مختلفة، والانظمة الطائفية إلا الانعكاس للمخطط المرسوم. لان الشعوب سقطت في براثن الاسقاطات الدينية والطائفية والمذهبية والاثنية، وكون القوى السياسية الحية، انكفأت وتراجعت، ولم يعد لها تأثير في مسيرة شعوبها، وفي نفس الوقت تبوأت القوى الظلامية الرجعية صدارة المشهد هنا او هنا.
هنا نجحت المؤامرة لان الشرط الذاتي وفر الغطاء للعامل الموضوعي، المتآمر على وحدة وارادة الشعب والدولة. لكن لو ان العامل الذاتي في هذا البلد او ذاك، استعصى على القوى العابثة، وتمكنت القوى الحية من التصدي الحازم للقوى الظلامية والتكفيرية وادوات الغرب المختلفة، لما أمكن للمؤامرة النفاذ للمشهد في وسط شعوب الامة العربية.
أضف لما تقدم. هناك عامل عميق الصلة بالمؤامرة، له علاقة بالاجهزة الامنية، التي تلعب دورا مركزيا في شراء الذمم باشكال واساليب مختلفة. هذه الاجهزة، لا تصب لها الانظمة الاموال إلا لخدمة اغراض اهل النظام السياسي. وكما هو معلوم تلعب الـ CIA والموساد ادوارا مركزية في العبث بمصير الشعوب، ليس فقط في جمهوريات الموز في اميركا اللاتينية، بل وفي الانظمة العربية وشعوب العالم الثالث، وحيثما سمحت لها شروط العبث بما في ذلك اوروبا. هذه الاجهزة تخلق ادواتها، وترشي بعض المتنفذين في هذا النظام او ذاك. كما تقوم باستقطاب كفاءات علمية وثقافية، وتقيم لهم المؤسسات والمنابر الاعلامية والـ NGO,s، وتدعمهم في الانتخابات إن وجدت، وتؤهلهم للعب ادوار مستقبلية، من خلال تسليط الضوء عليهم، ودعوتهم للمؤتمرات والورش...إلخ
إذا المؤامرة ليست شرطا مطلقا، ولا سيفا مسلطا على رقاب هذا الشعب او ذاك. ونجاحها مرهون بمدى جاهزية الشعب في هذه الساحة او تلك. لكن الشعب يبقى ابد الدهر، هو وليس احد غيره صانع التاريخ الاول.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها