نحن في مرحلة أحوج ما نكون فيها للخطاب الواحد والصوت الواحد والهدف الواحد والذي يستدعي حين استقرار القناعة بناء قلعة، نعم بناء قلعة وطنية كبرى، ففي ظل تهدم قلعة منظمة التحرير الفلسطينية وتشقق جدرانها وجدران السلطتين سواء في رام الله أو غزة، لا بد أن نبني قلعة جديدة تستلهم تجارب تلك المتداعية وتؤسس لفكر وثقافة الديمقراطية (الشراكة) الحقيقية دون إبطاء سيتجاوزنا به الزمن.

 من هنا يقع واجب بناء البرنامج والخطة والسراطية (الإستراتيجية) الوطنية الشاملة على الكل الفلسطيني، وفي إطار منظمة التحرير الفلسطينية ذات الأسس الديمقراطية المدنية الجديدة، بلا إسفافات الأفواه الكبيرة عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي الممتلئة بالقبح والقذارة من تخوين وتشويه وتكفير.

إن البيت الوطني مخترق ومثقل بالثقوب فلا يتحصل على قدرة تجميع الماء، وما استمرت الثقوب بلا إصلاح لا نستطيع ان نحصر الماء فنرتوي أونتقدم.

3-بعيدا عن القمة و"العضو المحترم"

أما ثالثا فكما نحتاج للتخلي كمقدمة للتمسك، وكما نحتاج لبناء قلعة وطنية حصينة، فإننا على الصعيد الحركي الفتحوي الداخلي بلا شك أخذتنا الأحداث اليومية بعيدا عن (طُهر) الفكرة، وبعيدا عن (ثقافة) الانتماء والالتزام والانضباط، فاستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير، لتصبح محطة انتماء البعض فينا ذات طابع انتقائي أو ذرائعي أو مصلحي أو شخصاني، وهو ما يتعارض مع تعريف الانتماء الفتحوي أنه لفلسطين وترابها وسمائها وحجارتها وزيتونها وقضيتها.

 ليس الانتماء قطعا لهذا أو ذاك، وكيف للانتماء والثقافة الوطنية أن تنمو والجسد (التنظيمي) منهك والجسد التنظيمي يعاني من الأمراض، والنفوس مليئة بالثقوب والسواد واليأس والإحباط، والهياكل تتآكل فلا أبواب مفتوحة ولا آذان تسمع ولا قلوب لذكر الله سبحانه وتعالى، ولهدف فلسطين تخشع! وكيف لتعاضد وتكاتف وتساند يُبني ومسار الحراك داخل التنظيم السياسي يتكالب نحو القمة وليس نحو (العضو) من حيث هو الطاقة الجبارة والقيمة والاحترام بفكره وأدائه وفعله بغض النظر عن مكان وجوده في السلم التنظيمي.

يقول خليل الوزير (أبوجهاد) أول الرصاص أول الحجارة, عما أسماها القواعد الذهبية الأربع لحركة فتح وهي قواعد العمل الخاصة بنا "كأعضاء في الحركة"، أنها تتمثل: بتبني (الوحدة الوطنية مع اتساع الصدر ورحابة الأفق، والثانية هي توظيف كل الطاقات لتحقيق حرب الشعب طويلة الأمد ما نحتاج معها إلى الصبر والنفس الطويل، والقاعدة الثالثة: هي بالعمل على تفتيت جبهة الأعداء، والقاعدة الرابعة: هي استقلالية قرارنا التي لا تنبع من إقليمية ضيقة مغلقة، بل تنبع من منطلقاتنا ذات الأبعاد القومية استنادا إلى أن صاحب الجرح هو الأكثر إحساسا بالألم والأكثر إحساسا بحجم المعاناة، ولذا لا بد أن يكون هو الأكثر تفاعلا واندفاعا لمعالجة جرحه).

إن إعلاء قيمة (العضو) أي الشخص المنضوي تحت لواء التنظيم السياسي بقناعة وإيمان، يجب أن تكون أساس الثقافة التنظيمية الناهضة، فكما يُطالب هو بالانضباط للقوانين والأوامر والتوجيهات فمن حقه ألا يُدار له الظهر، وأن يُعطى الدور في مساحته وإطاره وأن يتم التواصل الدوري معه.

 ما يعنى أن لا حياة تنظيمية داخلية متواصلة بدون خُماسية (1-الاجتماع الدوري لكل إطار ببنوده الكاملة، 2-تقديم التقارير عن الأعمال والتكليفات، 3- امتلاك "التكليف والمهمة أو الدور" الذي يمارسه العضو يوميا، وممارسته التثقيف والبناء الذي لا غنى عنه، 4-عقد اللقاءات الدورية وعقد المؤتمرات بمواعيدها، 5-تحقيق التواصل الاجتماعي الداخلي، والجماهيري المبني على الحب والتفهم والتقبل والتجاور).

4-استمطار الأمة العربية

نعم نحن نلتفت للداخل فينا كحركة فتح وفينا كمنظمة تحرير، وفينا كفكرة وثقافة مشاركة ودور جامعة متجددة، ما نراه أولوية عظمى في ظل الخراب الذي يضرب في ظهرنا في عمق أمتنا العربية، أو انكفائها وابتعادها (الذي نسعى لأن يكون مؤقتا) عن قضية الأمة الأولى قضية فلسطين.

 وفي (سعينا) لاستمطار غيمات الأمة العربية لاشك أن قنواتنا يجب أن تظل مفتوحة على ذات القاعدة التي ألِفناها فنحن والأمة جسد واحد مهما أثقلته الجراح هذه الأيام. (هل نتذكر شعارنا الخالد الذي طالما أكد عليه القائد صلاح خلف وخالد الحسن أننا قاطرة لا تسير إلا ضمن قطار الأمة العربية، وأننا رأس الرمح فيها...)

ومن هنا في النقطة الرابعة المطلوبة حاليا تقول أن: لنا دور مشترك يجب أن نمارسه في تعظيم قيم التوافق والتعاضد والتقارب بين الأمة ومع الأمة العربية حيث يجمعنا التاريخ والحضارة والمكان واللغة العظيمة والثقافة والقضايا المشتركة، كما تجمعنا الحضارة والإسلام العظيم مع عدد من دول الإقليم المجاورة, ولنا دور يجب أن نمارسه في تعظيم قيم التوافق أيضا مع الدول الاسلامية، بل ومع أحرار العالم حيث قيم العالمية الحضارية.

 في حديثنا في الإطار الواسع المساحة أي الاقليم أو الأمة العربية وجب علينا أمران الأول: الاستمرار بطرق الخزان العربي سواء الرسمي أو الشعبي، فما زال هذا الخزّان يضم الكنوز البشرية في الاعلام والصحافة والفكر والاقتصاد والثقافة الجامعة والتقانة وغيرها من المجالات التي لا غنى عنها لنا كأمة، وفي فلسطين القضية والدولة والمستقبل.

 وفي الامر الثاني يجب تحقيق مساهمتنا في دعم قيام (كيان) الأمة الناهضة، ونحو مزيد من التقارب والتآلف وصولا للوحدة بأي شكل مقبول من شعوب الأمة، وهل أوربا متعددة القوميات أفضل منا لتشكل (الاتحاد الاوروبي)؟ ونحن نتفرج على أعتاب فكرة خيالية سلطوية استبدادية، ليست نهضوية أصبحت بائدة اسمها (أمة عربية واحدة... )، أو اسمها المخادع (الخلافة الاسلامية)، وهي مهما كان مسمّاها ما يجب أن ننهض بها ثقافيا وفكريا كحركة فتح لدعمها في نظرية أقرب ما تكون لمفهوم "أمة ديمقراطية حضارية واحدة منفتحة"، وأن تعددت الأنظمة السياسية، يجمعها المصلحة الواحدة، لتتبوأ مكانا مرموقا بين الأمم بالتحرر و بالفكر والثقافة والصناعة والتقانة والوحدة الاقتصادية واحترام حقوق الإنسان والتعددية والمدنية...الخ، بعيدا عن معازل (غيتوات) الجهالة والتطرف والانعزال العنصري والإرهاب الذي عصف بأمتنا.

لنا أن تحلّق الأمة معنا، فلا تضيع فلسطين في ظل البُهتان الصهيوني الذي يحاول أن يجعل من الخطر الاقليمي هو الخطر الأوحد، في محاولة فاشلة لاستقطاب الأمة،ولنا أن نزرع مع الأمة بذور الوحدة الناهضة أيضا، وننتظر الإثمار، فالغيمات فينا رابية.