في جردة حساب عن مهمته كوزير خارجية، أدلى جون كيري لصحيفة "نيو يوركر" بحديث مطول، كان للمسألتين اليهودية والفلسطينية حصة اساسية به. ومن حرقة رئيس الدبلوماسية الاميركية على مستقبل دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، واستيائه من تخبط حكومة اليمين المتطرف، التي تدفع الامور نحو الدولة الواحدة، وانعكاس ذلك على مستقبلها. أضف لرفضه سياسة هدم بيوت الفلسطينيين، والاجراءات العقابية الجماعية، وتحذيره من انهيار السلطة الوطنية، وترك رجال الامن يهيمون على وجوههم دون مستقبل، والآثار الخطيرة، التي تحملها هكذا خطوة.

جوهر ما قاله الوزير الاميركي جيد ومقبول فلسطينيا من حيث الشكل. ولكن كيف يمكن ترشيد السياسة الاسرائيلية، وإخراجها من دائرة الانسداد؟ هل بالترجي واستعطاف قيادتها؟ ام باستخدام وسائل أخرى؟ ثم ألا يؤثر موقف الائتلاف اليميني المتطرف على مصالح اميركا وحلفائها؟ ام ان ما اعلنه، لا يعدو سوى ضحك على ذقون الفلسطينيين والعرب؟ وألا تستطيع الادارة الاميركية مناقشة اعضاء المجلسين لتبيان الاخطار المحتملة على حليفتهم الاستراتيجية وعلى مصالحها الحيوية؟ وحتى لو افترضنا، ان الادارة تجد صعوبة في الاقناع للكونغرس ومجلس الشيوخ، لماذا لا تعطي الضوء الاخضر لحلفائها في اوروبا وباقي دول العالم للتحرك بحرية للضغط على حكومة نتنياهو لوقف سياساتها العنصرية وجرائم حربها؟ ولماذا تضغط على الدول العربية والاسلامية، لاقامة علاقات مجانية مع إسرائيل، ولا تربطها بمقابل؟ 

الولايات المتحدة، صاحبة الباع الطويل في السياسة الدولية، تترك واردة او شاردة في أي دولة من دول العالم. تدرك، ان حليفتها الاستراتيجية، لا يمكن لها التراجع عن سياستها ونهجها الاستعماري دون لجوء العالم لاتخاذ إجراءات عقابية. كفيلة بهز العصا في وجه حكومة نتنياهو، وإشعارها بجدية الاجراءات الاميركية او الاجراءات العالمية.

اما سياسة بوس اللحى والاستجداء، لن تثمر نهائيا. لان القيادات الاسرائيلية، التي تعودت على التساوق والتواطؤ الاميركي معها، يجعلها لا تخشى مواقف اوباما او كيري او اي مسؤول في الادارة. لانها تدرك ان اللوبيات المختلفة من "الايباك" إلى غيره، قادرة على كبح جماح اي رئيس او وزير خارجية. ما يفرض على الادارة الاميركية، إن كانت معنية بولادة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، استخدام اساليب مغايرة، وقادرة على التأثير في صانع القرار الاسرائيلي.