هبة القدس مستمرة، وأرقام الشهداء تتقافز بسرعة اكثر من مئة واثنين وعشرين شهيدا، وكذلك ارقام الاصابات والمعتقلين والبيوت المنسوفة والمجرفة وحصار الطرق والشوارع واجتياحات المسجد الاقصى وغيره الكثير، الثمن فادح جدا، خاصة وان الحديث الذي ليس له معنى يستمر بايجاد مبررات للانقسام الاسود اللعين الذي رسم صورة زائفة لشعبنا، وهي صورة ارادها الاحتلال وسعى الى ايجادها منذ زمن طويل، والثمن فادح ولكن الهدف اسمى بكثير، والهدف هو الخلاص من الاحتلال، وايجاز الاستقلال الوطني، وبناء دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف لنصبح مثل بقية اهل الارض شعب له هوية وعنوان وكيان، بغض النظر عن اللغة التي يستخدمها البعض لتحقيق هذا العظيم.

نحن في النصف الثاني من كانون الثاني، في قلب الذكرى الثامنة والعشرين لانتفاضة الحجارة في عام1997م، ومن بعدها انتفاضات وهبات كثيرة، واحدة باسم هبة الاقصى واخرى باسم انتفاضة القدس عام 2000، وذاهبون الى الذكرى الحادية والخمسين بقيامتنا المجيدة وهي الثورة الفلسطينية المعاصرة، ومنذ ذلك الوقت حققنا نحن الشعب الصغير انجازات كثيرة من اهمها ان الشعب الفلسطيني وقضيته ووجوده السياسي اصبح حقيقة بارزة في العصر الحديث، وبدا بعد ان كان الاعداء على اختلاف مواقعهم قد اعلنوا دفن هذا الشعب، ونسيان قضيته وشطب اسمه من الوجود، وكانت التجربة العظمى والقيامة الكبرى، ان هذا الشعب الفلسطيني واجياله الجديدة قد ظلوا لاعبا على المسرح بل ان هذه الاجيال تؤمن انها من خلال معاناتها، والتعبير عن المعاناة باشكال مبدعة، بل ان الاجيال الفلسطينية مرشحة اكثر من غيرها لصياغة التعامل مع المستقبل الشامل لهذه المنطقة.

والشي المبشر ان هذه الاجيال الفلسطينية سواء في ارض الوطن او في الشتات القريب والبعيد لا تلتفت الى هذه اللغة المهيضة الجناح التي يتحدث بها البعض من خلال الانزلاق الى الداخل والغوص في المشاكل المفتعلة، بل ان الاجيال الفلسطينية الجديدة، وهي تواجه اسرائيل تطرح مشروعا حضاريا كاملا، بالانعتاق من التبعية والانطلاق نحو مصالح الامة ودورها الذي يجب ان يكون.

قد يبدو المشهد مغبشا، وتائها في الظلال والاختلاف، لكن صمود فلسطين وانتصارها ووجودها الفعلي هو اكبر دليل على ان الاهداف الكثيرة ممكنة، وان الاحتلال في موازين القوى ليس قدرا موروثا وان القضية الفلسطينية هي النموذج للانعتاق من الصورة القديمة وأن الشعوب قادرة ان تطرح اسئلتها الشاملة.