تتجه حكومة الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة نحو استغلال ظروف الحرب السورية، وما توفره من ترحيل موضوع الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتل في إطار مفاوضات سياسية إلى أجل غير معلوم، بغرض نسخ تجربة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في الجولان المحتل، وترسيخ أمر واقع لضم الهضبة بشكل نهائي للاحتلال.
ويتضح من خلال تقارير الإعلام الإسرائيلي، أنّ التصريحات الإسرائيلية بخصوص عدم التدخل في الحرب السورية، كانت مجرّد ستار لتسريع وإطلاق مشاريع ومخططات بناء استيطاني مكثف في هضبة الجولان المحتلة. وتتم هذه العمليات تحت ستار النشاط الاعتيادي لمجلس سلطات المستوطنات في الجولان المحتل، عبر الركون إلى غياب طرف سوري يحتج على هذه المخططات أو على عمليات البناء الجارية، بفعل اختلاف الظروف في الجولان المحتل عن الوضع في الأراضي المحتلة، وفي مقدمة ذلك حشر أهالي الجولان السوري في بضعة قرى، فيما تسيطر إسرائيل على بقية الجولان، مع إخضاع أراضيه، بعد فرض القانون الإسرائيلي عليها، لمؤسسات التخطيط والبناء التابعة لمجالس المستوطنات الإسرائيلية في الجولان، من جهة، ولسلطات جيش الاحتلال في تحديد وترسيم مناطق للاستخدام العسكري أو التدريبات العسكرية، أو حتى الإعلان عنها مناطق عسكرية مغلقة لا يسمح لأحد بدخولها أو الاقتراب منها، من جهة ثانية.
وكشف تقرير لموقع "والا" الإسرائيلي أمس، عن نشاط محموم لـ"مجلس مستوطنة كتسير"، أكبر المستوطنات الإسرائيلية في الجولان المحتل، و(للمجلس الإقليمي)، يتمحور حول السعي للمصادقة على خطط بناء وتسويق لآلاف الوحدات السكنية في الجولان، عبر استغلال الوضع القائم في سورية، وترجمة ذلك في الوعي الإسرائيلي، إلى زوال "عدم اليقين في بقاء هضبة الجولان تحت السيادة الإسرائيلية"، مقارنة بالوضع الذي ساد حتى السنوات الأخيرة، والذي سادت فيه قناعة شبه أكيدة عند الإسرائيليين، أن مصير الجولان في نهاية المطاف هو إعادته للسيادة السورية، وخصوصاً بفعل ما عُرف بـ"وديعة رابين" والتحرّكات الدولية، بما فيها الوساطة التركية، قبيل اندلاع الثورة السورية، والتي ساهمت في حينه بتعزيز فرص استعادة سورية لهضبة الجولان ضمن اتفاق سلام سوري إسرائيلي.
وبحسب التقرير المذكور، فإن التوقعات الإسرائيلية، تتحدث عن مضاعفة عدد المستوطنين الإسرائيليين، في الجولان المحتل خلال خمس سنوات، وذلك اعتماداً على خطط البناء التي أقرّتها وتعمل على تنفيذها سلطات التخطيط التابعة لمستوطنات الجولان.
ووفقاً لما نقله الموقع عن مسؤولين في السلطات المحلية لهذه المستوطنات، فإن الأجواء الحالية لم تعد تضطر سلطة مستوطنة (كتسير) أو (المجلس الإقليمي) إلى حملات تشجيع للاستيطان في الجولان، إذ إن هناك إقبالاً حالياً على الاستيطان في الجولان، بسبب الاعتقاد بأن احتمال إعادة الهضبة لسورية قد تقلص بفعل التطورات والأحداث الجارية في سورية.
وبحسب مصادر في مجلس مستوطنة "كتسير"، فإنه لولا العوائق البيروقراطية في إسرائيل لأمكن للسلطة المحلية في المستوطنة مضاعفة عدد المستوطنين فيها خلال عام واحد، وليس خمس سنوات.
وتشير المعطيات الرسمية الإسرائيلية إلى أن 8 آلاف شخص يعيش في مستوطنة "كتسير"، كبرى المستوطنات الإسرائيلية في الجولان المحتل، ويعمل مجلس المستوطنة على مضاعفة هذا العدد عام 2020 ليصل إلى نحو 20 ألف مستوطن، وخصوصاً أن المجلس البلدي للمستوطنة تمكن في العامين الأخيرين من بيع وتسويق 500 وحدة سكنية.
وينقل الموقع نفسه عن رئيس مستوطنة كتسير، ديمتري أفرتشييف، قوله إنه "لم تراوده وباقي مستوطني الجولان يوماً أية شكوك بأنه لن يتم إعادة الجولان لسورية، لكن هذا الأمر بات الآن واضحاً للجميع في ظل الحرب الأهلية المشتعلة في سورية". وكشف أن حكومة الاحتلال قررت في يونيو/حزيران من العام الماضي 2014 تمكين وتعزيز مكانة مستوطنة كتسرين كعاصمة للجولان، وأنه تم رصد ميزانية 65 مليون شيقل (نحو 17 مليون دولار) لاستيعاب مستوطنين جدد.
وتقوم سلطات المستوطنة، بدعم من الحكومة الإسرائيلية، بتعزيز وتطوير مختلف الخدمات في مستوطنات الجولان، وفي مقدّمتها توفير فرص عمل وترشيد نظام التعليم ومؤسسات التعليم في هذه المستوطنات حتى تكون جاهزة لحملة تسويق 800 شقة سكنية جديدة في مطلع العام 2016، تمهيداً للعمل على إقامة وبناء وتأهيل 3800 شقة سكنية، علماً بأن عدد الشقق السكينة في مستوطنة كتسير حالياً هو نحو 2500 شقة فقط.
في المقابل، يبلغ إجمالي عدد المستوطنين الإسرائيليين، في مختلف أنحاء هضبة الجولان نحو 16 ألف مستوطن. وتستعد المستوطنات الصغيرة في الجولان بدورها لاستيعاب نحو 2000 أسرة إضافية، وخصوصاً أن حكومة الاحتلال توزع في الجولان أحواضاً وقسائم بناء مجاناً دون أي مقابل، على أن يتكفل المستوطنون بتكاليف بناء البيت الخاص بهم.
وبحسب ما نقل الموقع عن مصادر في مستوطنة (كتسير)، فإنه يتم حالياً إنشاء اتحاد إقليمي لمستوطنات الجولان ومستوطنات الجليل الأعلى بهدف تطوير أماكن عمل ومجالات تعاون استراتيجي تساهم في تشجيع الاستيطان اليهودي في الجليل الأعلى والجولان، وفي تطوير الزراعة لتتحول إلى محرك نمو اقتصادي في المنطقة.
وستتم بموجب هذه الخطط إقامة مراكز أبحاث لتطوير الزراعة وتطوير مجال "الزراعة الصحية" التي تُعنى بزراعة محاصيل تستخدم في صناعة الأدوية والتطبب يتم تسويقها وتصديرها لمختلف أنحاء العالم. وعلى ما يبدو، فإن هذا النشاط لدمج منتجات الجليل الأعلى والجولان في بوتقة واحدة، عبارة عن محاولة للالتفاف على القرار الأوروبي بوسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والجولان المحتلين، وعدم الاعتراف بالجولان جزءاً من إسرائيل.
ويعتمد القرار الأوروبي على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 الصادر في عام 1981 رداً على سن حكومة الاحتلال في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه قانوناً بفرض وتطبيق القانون الإسرائيلي في الجولان المحتل. وأثار القرار في حينه انتقادات دولية، ودفع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن إلى وقف مذكرة التفاهم الاستراتيجي الأميركي - الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، أشار رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات شرقي الجولان، إيلي مالكا إلى أن "تطوير الاقتصاد في الجولان هو الهدف الاستراتيجي الأهم والقاطرة التي يتوخى منها أن تقود لعملية نمو ديمغرافي وتطوير أماكن عمل نوعية".
وترتبط هذه المخططات الإسرائيلية بتصريحات إسرائيلية تدعو علناً إلى وجوب الاعتراف الدولي والأميركي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، كما قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني. وصدرت تصريحات مماثلة عن وزير التربية والتعليم، نفتالي بينت، والذي دعا إلى استغلال الظروف الدولية الراهنة لفرض السيادة الإسرائيلية على الجولان وعدم الاكتفاء بالوضع الحالي. كما سبق لسكرتير الحكومة الإسرائيلية السابق، تسفي هاوزر هو الآخر، أن نشر مقالة في صحيفة "هآرتس" تدعو إلى التحرك نحو تكريس السيادة الإسرائيلية في الجولان، والعمل على فرض حقائق على أرض الواقع تؤدي في نهاية المطاف إلى تسليم المجتمع الدولي بالوضع القائم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها