مطلق انسان، عندما يتولى منصبا عاما، إن كان في إطار دولته أو على المستوى الدولي، فإنه بات مسؤولا عن اقواله وافعاله. ولا يستطيع التصرف دون ضوابط. لان كل كلمة، لا بل كل حرف ينطق به يتحمل مسؤوليته امام المؤسسة، التي يمثلها او امام شعبه او امام العالم، ارتباطا بموقعه ومسؤولياته.

امين عام الامم المتحدة، بان كي مون، الذي يعتبر رأس الشرعية الدولية، والعنوان الاول لتنفيذ قوانينها او التصدي لمن يتجاوز شرائعها ومواثيقها. ويراقب عبر اجهزة ومؤسسات الاختصاص كل منابرها ومنظماتها في التنفيذ الدقيق والامين لسياساتها الاممية، ويعمل على وحدة الخطاب السياسي والاعلامي للمسؤولين وبيانات المنظمات الاممية جميعها، للحيلولة دون اية اخطاء هنا او هناك تسيء لمكانة المنظمة الاممية. ولا يجوز للجغرافيا السياسية التأثير على الخطاب الاممي، لان ذلك يضرب مصداقيتها ومكانتها الدولية.

لكن الامين العام للامم المتحدة شخصيا خالف المعايير المذكورة آنفا. ففي زيارته الاخيرة للمنطقة، لم يكن موفقا في عكس الموقف الدولي في أكثر من مسألة ادلى بها، حيث ساوى بين الضحية والجلاد أثناء مؤتمراته الصحفية مع نتنياهو، وحتى مع الرئيس محمود عباس، وإن استخدم لغة مخففة نسبيا. مع ان كلمته في احتفالية الذكرى السبعين لتأسيس المنظمة الدولية في مدينة رام الله/ مقر ممثلية الامم المتحدة، كانت جيدة، وعكست موقفا مسؤولا في إنصاف الفلسطينيين. لكن بعدما غادر المنطقة، عاد لذات اللغة السلبية، التي لا تتوافق مع قرارات الشرعية الدولية، منها: اولا- المساواة بين الضحية والجلاد. ثانيا- الربط بين المسجد الاقصى و"جبل الهيكل"، وهو ما يتناغم ويتساوق مع السياسة الاسرائيلية الاميركية. ثالثا- مطالبته الرئيس محمود عباس لقاء نتنياهو، دون إلزام رئيس الحكومة الاسرائيلية بوقف جرائمه على الاقل. رابعا- زيارته المفاجئة، التي جاءت بناءً على إيعاز اميركي؛ كي يمهد لزيارة جون كيري.

الملاحظات الاربع تعكس سياسة خاطئة، لا تتوافق مع موقع ومكانة الامين العام للامم المتحدة. لان بان كي مون، إرتضى التخلي الطوعي عن دوره كرئيس للشرعية الدولية، وتناغم بقصد او من دون قصد مع الرؤية الاسرائيلية، وهو ما انعكس في المواقف المعلنة، التي لم تتوافق مع قوانين الشرعية الدولية، ولا حتى مع بيان مجلس الامن الاخير، الذي اشار للمسجد الاقصى دون ربطه بما يسمى "جبل الهيكل".

 إذا كانت موازين القوى الدولية والاقليمية فرضت الخيار الاسرائيلي الاميركي برعاية عملية السلام، واستطاعت الولايات المتحدة تنصيب نفسها، الراعي الاساسي للتسوية السياسية خلال الـ22 عاما الماضية، كان من الاجدر بالسيد كي مون، ان يؤكد في كل صغيرة وكبيرة على مكانة الامم المتحدة، كعنوان اول لحماية الشرعية الدولية ومكانتها الاممية الاولى في التنفيذ الامين لقراراتها ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي. والتقيد بالنصوص غير الملتبسة او المخلة بالقوانين والمواثيق والقرارات الاممية. وهو يعلم قبل غيره، ان الاحتلال هو وليس شيء آخر، عنوان واساس الارهاب الاسرائيلي المنظم، وهو الذي ينتهك مصالح وحقوق الفلسطينيين. وبالتالي لا يجوز باي حال من الاحوال خلط الامور، و"المساواة" بين الضحية، الشعب الفلسطيني، والجلاد دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. وكان عليه عدم التساوق مع السياسة الاسرائيلية الاميركية، التي تنادي بالتفاوض من اجل التفاوض، التي تتناقض مع خيار الشرعية الدولية. اضف إلى ان الامين العام للامم المتحدة، حتى لو مورست عليه ضغوط من هنا او هناك، لا يجوز له التخلي عن اللغة السياسية الواضحة، التي تعيد التذكير بالقرارات الاممية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، دون تحميل نفسه اية اعباء إضافية. فهل يعيد الامين العام للامم المتحدة النظر بسياساته الخاطئة؟