الشعار الصهيوني المبكر، الذي لازمت تطبيقاته مراحلإقامة مشروع إسرائيل وتوسعها؛ ينم عن سعي المحتلين الى أن تستحوذ هذه الدولة على قدرأكبر من الأرض، وأن تستوعب في الوقت نفسه، عدداً أقل من أصحاب الأرض الفلسطينيين. وباتهذا الشعار، هو الناظم الأهم، لمنطق الدولة العبرية في موضوع التسوية، وإن كان الأمريصطدم بوقائع معقدة ومصاعب شتى يمثلها صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، واستحالةالتوصل الى التسوية وفق هذا المنطق العنصري.

الحركة الصهيونية منذ بداياتها، كانت مسكونة بهاجس المسألةالديموغرافية، بل إن هذه المسألة، الآن، أصبحت تمثل عاملاً مركزياً في تحديد الشكلالنهائي لخارطة التسوية، وفق ما يريده المحتلون. وكلما توغل هؤلاء، في عنصريتهم ومضوافي تكريس شكل الدولة الفاشية التي يريدونها؛ تراهم يختلقون لأنفسهم كوابيس وهواجس جديدة.فالمهووسون من شاكلة ليبرمان، الذين لم يكن الدين اليهودي نفسه، إلا جسراً أو مدخلاًلمزاعمهم؛ أصبحت كراهيتهم واضحة حتى لليهود الشرقيين، باعتبارهم شكلاً من أشكال الخطرالديموغرافي الذي يتهدد ثقافة الدولة والمجتمع كما يريدونهما، وأصبح ملموساً تأففهممن "الحريديم" حاملي النصوص الدينية نفسها التي اتكأوا عليها في الأطوارالأولى لمشروع إسرائيل. فهم يتطلعون الى دولة مغلقة على عنصرها الصهيوني الأبيض العلماني،والمغلقة دون العنصر الشرقي قاطبة، سواء كان فلسطينياً أو يهودياً.

وتحت وطأة التحولات الديموغرافية في الأراضي المحتلةعام 48 حسم المتطرفون الأشكناز الصهاينة الأمر، بأن هذه التحولات لا تجري لمصلحة إسرائيل،ودخلوا مرحلة التفكير في مشروع صهيوني جديد، لأن مشروع الدولة بصيغتها القائمة، لميعد يلائمهم. فإن كان هذا هو منحى تفكيرهم، في حدود أراضي 48؛ ما الذي ننتظره على صعيدالتسوية وفق حل الدولتين، أو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية؟!

الحل الثاني، لا مجال له على الإطلاق، أما الحل الأول،فهو مستحيل بمنطق هؤلاء الذين يتمسكون بشعار الأرض الأكثر والعرب الأقل. إن الأفق مسدود،بينما الحد الأدنى مما يتوجب علينا أن نفعله، هو البقاء على الأرض صامدين وموحدين.وللأسف، وبسبب عدم تماشي القيادة الفلسطينية مع المخطط الصهيوني وطروحاته الراهنة؛نواجه اليوم خطرين متزامنين: الخنق الاقتصادي لحياة الشعب الفلسطيني، بالسلبية والحصاروالامتناع عن المساعدة في توفير مقومات الصمود والبقاء على الأرض، ويشارك في هذا معظمالنظام العربي امتثالاً لأميركا مع الإبقاء على انقسام الكيانية الفلسطينية ومفاعيلانفصال غزة عن الضفة، وهذا ما تفعله "حماس" بمساعدة أوساط إسلاموية عربية.وكيف تفعله؟ تحت شعارات "المقاومة" والطهرانية والمطولات الخطابية ذات الوعودالقصوى.

وطالما أن العرب يضنّون علينا بمقومات الحياة، ويساعدونعلى استمرار قوى الانفصال والقسمة الشائنة التي ترفض المصالحة؛ فإن الصهيونية العنصرية،ستظل مستمرة في سعيها الى أرض أكثر وعرب أقل