تحقيق: ولاء رشيد

خاص - مجلة القدس، في مثل هذه الأيام نستذكر مرور ثلاثين عاماً على المجزرة الآثمة التي راح ضحيتها آلاف الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من مخيمَي صبرا وشاتيلا، والتي امتدت الى ثلاثة أيام بدأت في 16/9/1982، حيثُ تزامن اليوم الأخير للمجزرة مع أول أيام رشاشانا (عيد رأس السنة لليهود). أمَّا هذا العام فتتزامن ذكرى اليوم الأول للمجزرة مع اليوم الأول لعيد رشاشانا، وفيما يُحيي الكيان الصهيوني عيده، نُحيي نحن والوفود الأجنبية ومنها لجنة "كي لا ننسى صبرا وشاتيلا" ذكرى المجزرة.

 

صبرا وشاتيلا في عيون من عايشها

"لا يعرف هول المجزرة إلا من عايشها"، كلمات تبدأ ألين سيغيل الممرضة اليهودية حديثها بها.حيثُ أنَّها كانت قد شهدت وحشية المجزرة المرتكبة بحق الأبرياء خلال عملها في مستشفى غزة، حين كانت تؤدي واجبها في تقديم العون والطبابة، فهالها ما رأت على حد تعبيرها من وحشية وعنف شاهدتهما في حالات الجرحى والقتلى. تتحدث بألم حين تصف ما جرى فتقول: "طوَّق الجيش الإسرائيلي جميع مداخل المخيمَين وعندها دخلت قوات الكتائب. ثمَّ عمد الجيش الاسرائيلي إلى إلقاء ما يشبه الشعلات المضيئة بعد تخييم الظلام لإنارة المخيم، ما سمح للكتائب بالتوغل وقتل الأبرياء فيما كان الجيش الاسرائيلي يراقب بصمت. وفي اليوم الثالث، وفيما كنا نعالج الجرحى في المستشفى، دخلت مجموعة من الكتائب واقتادت الطاقم الطبي من غير العرب وكنت أنا بينهم إلى زقاق ضيق. ثُمَّ جاءت مجموعة أخرى من القوات اللبنانية، ولكنَّهم كانوا يبدونَ سكارى ومنتشين، فجعلونا نقف صفاً واحداً تمهيداً لإطلاق الرصاص علينا، إلا أنَّ فوجاً من قوات الجيش الإسرائيلي حضر وأمرهم بتركنا حتى لا تشوَّه صورتهم أمام الرأي العام بتهمة قتل أوروبيين وأمريكيين، وهكذا كان أن خرجنا من المخيم".

ومنذُ ذلك اليوم وسيغيل تعمل على إحياء هذه الذكرى تكريماً لأرواح الشهداء، حيثُ أنَّها تزور لبنان للسنة التاسعة على التوالي لإحياء ذكرى المجزرة.

وهذه السنة قررت سيغيل نشر رسالة وجهتها إلى قوات الدفاع الإسرائيلية. وبالفعل فقد تمَّ نشر هذه الرسالة في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، حيثُ خاطبت سيغل الجنود بمناسبة رشاشانا، مستعيدةً ما حمله ذاك اليوم من مشاهد لا تزال مطبوعة في ذاكرتها، مجبولة بالألم الذي تستعيده كلما تذكرت احتفال الجنود الاسرائيليين في ثالث أيام المجزرة بأول أيام الرشاشانا، بينما جُثث آلاف الأبرياء قد تناثرت حولهم، متسائلةً عن ما آلت إليه حياة الجنود، وإذا ما كانوا يعيشون حياة كريمة يحصلون فيها على حقوقهم في العمل والتعليم والسكن وغيره، لافتةً انتباههم إلى أنَّ الفلسطينيين في لبنان، وخاصةً في صبرا وشاتيلا، لا يحصلون على أدنى مقومات الحياة الكريمة، آملةً من هؤلاء  الجنود أن يأخذوا ولو بضع لحظات خلال أحد أيام العيد ليتذكروا ما حلَّ في هذه المأساة.

وفي سياق الأوضاع الفلسطينية، أشارت سيغل إلى إيمانها بأنَّ مسألة السلام بين فلسطين والكيان الصهيوني هي مجرد دعابة لن تتحقق، مشيرةً إلى الضغط الذي تمارسه المجموعات اليهودية في الولايات المتحدة بغية ضمان وقوف هذه الأخيرة إلى جانبها ودعمها للوجود الاسرائيلي.

 

عنصرية أم شعور بالذنب

من جهتها رأت الناشطة البريطانية جوليا، التي تزور لبنان للمرة الأولى للتضامن مع الفلسطينيين في ذكرى المجزرة، بأنَّ السبب الكامن وراء الصمت الدولي إزاء القضية الفلسطينية، وخاصةً من قِبَل الولايات المتحدة، يعود لشعور المجتمع المسيحي بالذنب تجاه اليهود والمحرقة التي طالتهم، فتقول كارلا: "بعدما عانى اليهود ولم يقف معهم أحد من المجتمع الدولي المسيحي، وجدت أميركا في صمتها تجاه القضية الفلسطينية بادرةً لإصلاح موقفها، خاصةً مع تعاظم القوة المالية لدى الممولين والمستثمرين اليهود في أمريكا"، وكانت كارلا قد شاركت في أكثر من حدث تضامني مع الفلسطينيين في مناطق متعددة في فلسطين منها حين أُرسلت كموفدة عن تجمع الكنائس الدولي لمساعدة الفلسطينيين حيثُ شاهدت بأُمِّ عينها ما يحدث حقيقةً وما يتعرض له الفلسطينيون، واصفةً هذا الأمر "بالرؤية من منظار جديد وزاوية مغايرة"، بخلاف الصورة التي كانت تراها والتي تُظهر فقط السيناريو الإسرائيلي الثابت حيثُ "يكون الناطق الاسرائيلي متأنقاً ومتقناً للهجة مواطني الدولة التي يلقي خطبته فيها ليقول بأنَّ القتل هو الحل الوحيد حين يكون الإختيار الثاني هو أن تُقتل".

غيرَ أنَّ كارلا تختم حديثها قائلةً: "المشكلة هي أنَّ الغربيين هم من أكثر المتعاطفين مع اللاجئين، لكن عندما يأتي الذكر على الفلسطينيين فيبدو أنَّهم يصبحون لاجئين من نوعٍ آخر!.كذلك فإنَّ قنوات التلفزة المعروفة، لا تُتيح أيَّ مجالٍ لتقديم الشكاوى والاعتراضات الحقيقية في البرامج التي تُعنى بالشؤون الفلسطينية_ الإسرائيلية، وذلك من خلال دفعها المال لبعض المتصلين كي يستهلكوا الوقت المخصص للشكاوى، ولتبقى الحقائق مطموسة خلف الصورة التي يوهموننا بوجودها".

 

لجنة كي لا ننسى صبرا وشاتيلا

هي لجنة أوروبية دائمة لنصرة الشعب الفلسطيني. أسسها الصحافي الراحل ستيفانو كاريني عام 2000 في إيطاليا، ثمَّ امتدَّ نشاطها ليشمل أوروبيين وأمريكيين، وذلك بعد اطلاعه على وقائع مجزرة صبرا وشاتيلا. وبعد رحيله، توَّلت شقيقته أنطونيتا-رغم صعوبة وضعها الصحي واضطرارها لاستعمال كرسي متحرك- متابعة العمل في نشاط اللجنة، أملاً في تخليد ذكرى ستيفانو من خلال تخليد ذكرى ما أحب، ألا وهو الوقوف إلى جانب المظلومين والمستضعفين، وحتى لا يخبو عمل اللجنة برحيل مؤسسها. وحول أهم الانجازات التي حققتها اللجنة والوفود، لفتت أنطونيتا إلى تمكنهم من إفشال مخطط الإسرائيليين في جعل الرأي العام ينسى ما ارتُكِب من مجازر وحشية، منوهةً بتمكُّن اللجنة على الأقل من تغيير الصورة التي ينقلها الإعلام التضليلي عن كون الفلسطينيين إرهابيين، على أنَّ التغيير، وإن كان طفيفاً، فهو يُعد خطوة أولى على طريق التغيير الحقيقي، مشيرةً إلى أنَّ الرأي العام عالمياً لم يكن مُلمَّاً بأبعاد القضية الفلسطينية وخصائصها سابقاً، خاصةً وأنَّ نشاط اللجنة كان يتعرض للانتقاد وأحياناً كان يُحارَب عبر عدم نشر أيِّ نشاط لها بغية تهميشه. بيدَ أنَّ هذا الوضع تغير اليوم بحسب أنطونيتا التي تقول: "مؤخراً بدأت بعض اللقاءات تُعقد في إيطاليا وغيرها من الدول للتباحث في القضية الفلسطينية ومتابعة تطورات الدعاوى المقدمة ضد الجناة عبر لجنة كاهين، وقد أثمرت هذه المساعي تغييراً في نظرة فئة كبيرة من الأوروبيين عموماً والإيطاليين خصوصاً حيثُ أصبحوا أكثر دعماً وتفهماً للقضية الفلسطينية"، مؤكدةً أنَّ السبيل الوحيد لإحداث تغيير فاعل يكمن في

 ثلاث خطوات هي: تحسين الظروف المعيشية للاجئين الفلسطينيين في العالم بالدرجة الأولى، وإعادة فتح ملف الجناة في القضاء، ونشر الوعي والمعرفة حول قضية الفلسطينيين وحقوقهم بشكل أكثر شمولاً واتساعاً ليعرف العالم كله حقيقة ما يجري.

ثلاثون عاماً مضت على ذكرى المجزرة، فيما نُصبِّر النفس على أمل تحقيق مصالحة أو عملية تسوية تحُلّ أزمة قضيتنا الفلسطينية. فلماذا نجلس صامتين غير مستعدين لأخذ أيِّ مبادرة حتى وإن كانت المشاركة في حدث بسيط في حجمه كبير في قيمته كإحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا؟

وإلى متى هذا الصمت الدولي إزاء القضية الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية غير الإنسانية. أما آن لإسرائيل أن تنالَ جزاءها، أم أنَّ الإختباء مستمرٌ خلف ذريعة عدم إمكانية فلسطين رفع دعوى ضد الانتهاكات والإجرام الاسرائيلي بسبب عدم عضويتها في مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة ؟! وكيف يكون الاستتار على الجناة من ممارسات القضاء تحت ذرائع هي أوهى ما تكون؟! في وقت لا ندري فيه بعد إن كانت هذه العضوية المحتملة ستُفضِي إلى تسوية فعلية أم إلى مشروع طي ذكرى جديدة في ألبوم الذكريات؟ وإلى متى سنبقى ننتظر وقوفاً فاعلاً من الغرب إلى جانبنا فيما "نتأمل ونتمنى" من الدول العربية أن تؤدي ما هو واجب عليها؟!!!