من شاهد برامج قناة الجزيرة القطرية المتتالية حول وثائق المفاوضات مع الاسرائيليين لربما لاحظ الدراما المسرحية – الاخبارية تتجلى في أداء مقدمي البرامج باسلوب محترف يستحق مقدموه جوائز في الآداء التمثيلي. فكان رفع نبرة الصوت في الوقت المناسب، و الصمت الحذر في مواطنه لإحداث الإثارة المطلوبة لدى المشاهد. أما خلفية الشاشة فقد رسمت صور القيادة الفلسطينية في الأبيض و الأسود تارة و بالألوان الداكنة تارة أخرى في محاولة لتصوير هؤلاء القادة باسلوب سلبي مشابه لأسلوب عرض صور الرئيس العراقي السابق صدّام حسين على شاشات التلفزيون الأمريكي قبيل احتلال العراق

فالإثارة المسرحية من خلال شاشة الجزيرة تغلبت على مضمون البرامج الاخبارية لتكشف أن جهداً إخراجياً ضخماً قد وُضع لترك أثر سلبي عند المشاهد و خاصة المشاهد العربي غير المُلم بتفاصيل العملية السياسية كونه في أغلب الاحيان مُقاد من قبل الجزيرة و مثيلاتها نحو الاهتمام بشؤون أخرى كاستعداء الحركات الوطنية و متابعة مونديال قطر و ما يحدث في ساحل العاج و غيره من الشؤون الأخرى

و لم تكن الإثارة المسرحية هي الوحيدة الملفتة للانتباه، بل "اللعب" بالأرقام و الاحصائيات باسلوب يقصد الاساءة كان له موقعاً هاماً في الاخراج الدرامي للجزيرة القطرية. فمثلاً تحدثت الجزيرة عن أن نسبة تبادل الأراضي كانت 1 الى 50 في القدس لصالح اسرائيل، و لكنها لم تذكر أن التبادل لم يكن مقتصراً على القدس و أنه تضمن أراضي ذات أهمية بالغة للشعب الفلسطيني مثل الممر الآمن بين غزة و الضفة و غيرها من المواقع ليكون التبادل فعلياً 1 الى 1. و لعل ذلك كان اولاً من باب زيادة الاثارة الدرامية لتشويه صورة القيادة الفلسطينية و ثانياً أن قناة الجزيرة و في سياستها الاخبارية قد اعتمدت أن قطاع غزة هو كيان منفصل عن بقية الوطن تماماً كما يعتبره اليمين المتطرف في اسرائيل و أن الممر الآمن لا يعنيها و بالتالي لا يستوجب ذكره في هذا الاطار.و الجدير ذكره أن الاخراج المسرحي الذي قامت به الجزيرة، و هو يستحق جائزة تقدير كعمل فني لا يقل في مستواه المهني عن انتاج شبكة الفوكس نيوز المساندة لليمين المتطرف في الولايات المتحدة و اسرائيل، لم يستطع أن يخفى حقيقة أن قضية تبادل الأراضي هي قضية معروفة و ليست بالجديدة، بل ان القيادة الفلسطينية تحدثت بها قبل صحوة قناة الجزيرة. و أن الخرائط التي عُرضت و كأنها سرية، هي خرائط تمت مناقشتها في عدد من البرامج التلفزيونية و الندوات و المحاضرات العامة في الوطن و خارجه، وأن كل ما طرحته قناة الجزيرة القطرية لا يخرج عن سياق مقترحات كلينتون التي كانت مطروحة في حينه. كما أن القناة تعمدت الضبابية في مواقع مع ايحاءات تؤدي الى استنتاجات مُضللةو الحقيقة التي أثبتتها قناة الجزيرة القطرية بدون قصد هي أنها مستعدة للذهاب الى أبعد الحدود، و تحدي، و في بعض الأحيان، اهانة ذكاء المواطن العربي و الفلسطيني في سعيها لإحراج القيادة الفلسطينية الأمر الذي يذكرنا بقضية تقرير غولدستون و الذي أقامت الجزيرة الدنيا عليه و لم تقعدها بسبب تأجيله، و لكنها لم تُغطي شأن تقديمه و متابعته و الثمن السياسي الذي دفعته القيادة الفلسطينية في سبيل اقراره

و بما أن قناة الجزيرة تدعي الحرص على كشف الحقائق، لماذا لم تًغطي زيارات القادة الاسرائيليين الى الدوحة؟ و لماذا تغاضت عن المشروع السياسي الذي قدمته حركة حماس عن طريق احمد يوسف، مستشار النائب اسماعيل هنية، بقبول دولة مؤقتة على 60% من أراضي الضفة الغربية مقابل هدنة تتخلى فيها حماس عن كل القدس و ليس فقط المستوطنات حولها؟ و لماذا لم تكشف الجزيرة عن وثائق مباحثات مسؤولين امريكيين مثل روبرت مالي مع قيادات حركة حماس وهي وثائق منشورة على عدد من الصفحات الالكترونية؟؟؟؟ هناك أسئلة كثيرة اجوبتها تؤكد أن هدف قناة الجزيرة و سياستها الاخبارية الانتقائية تسعى لتشويه صورة القيادة الفلسطينية ضمن مخطط سياسي يُحاك للمنطقة و ينطلق اعلامياً من خلال هذه القناة الفضائية المجاورة لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، لكن السؤال الأكبر هو: هل أن الحملة الاعلامية التي أعلن عنها الاسبوع الماضي وزير خارجية اسرائيل المتطرف افيغدور ليبرمان بهدف تشويه صورة القيادة الفلسطينية قد انطلقت فعلاً من على شاشة الجزيرة القطرية؟؟؟؟