في ذكرى معركة الكرامة

زكريا عبد الرحيم

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

 

في 21 - 3 - 1968 حصلت معركة الكرامة - أي قبل 44 عاما - وقد انهزمت فيها قوات العدو الإسرائيلي.. وكانت الظواهر تؤشر إلى أن العدو سيقوم بهجوم على مقر وقواعد الفدائيين الفلسطينيين المتواجدة في بلدة الكرامة الأردنية والتي تقع على كتف نهر الأردن بمقابلة أريحا من الضفة الأخرى.. وبعدما نشرت إسرائيل قوات كبيرة مواجهة الكريمة والكرامة وغور الصافي وتبين أنها حددت ساعة الصفر , وقبل يوم واحد من العدوان , جمع الأخ القائد أبو عمار المسؤولين العسكريين المتواجدين في الكرامة - وكنت معهم بصفتي آمر جهاز الرصد الثوري , وكان يجمع حينها بين الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة - وقد تم الفصل بينهما في تشرين الأول 1968 حيث توليت رئاسة الاستخبارات العسكرية باسم الرصد العسكري وتولى الأخ أبو أياد/ صلاح خلف رئاسة الرصد المركزي المدني . وكان بين الحضور ممثل قوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كان يرأسها آنذاك الأستاذ أحمد الشقيري وهو الملازم أول صائب العاجز, وكان ممثل الجبهة الشعبية - القيادة العامة - الأخ أبو جهاد وهو تابع لرئاسة الأخ أحمد جبريل أبو جهاد.. وفي نهاية الاجتماع وما دار فيه من نقاش حول المعركة القادمة وأهمية وحتمية مواجهتها, رفض الأخ ممثل القيادة العامة هذه المواجهة وقال أننا فدائيون، والفدائي يضرب ويهرب ولا يواجه قوات العدو بهذه الطريقة، ثم أخذ مجموعته وانسحب من بلدة الكرامة قبل بدء المعركة.. ولم تكن للجبهة الشعبية ولا للصاعقة أي تواجد، وأما الديمقراطية فلم تكن قد وجدت بعد، وعليه يمكن القول ان فدائيي فتح هم الذين واجهوا العدوان الإسرائيلي وكانوا في حدود ثلاثمائة مقاتل ومعهم فدائيو قوات التحرير وكانوا أثنين وثلاثين مقاتلا لا أنوي هنا أن أسرد تفاصيل المعركة وقد تم سردها مرارا مني ومن غيري عبر السنوات الماضية ولكني سأركز على جملة من العناوين الهامة التي أفرزتها المعركة.

أولا:  فشلت إسرائيل في تدمير الفدائيين - وكان هذا هدفها المعلن - وقد توسع العمل الفدائي بعدها وتوسع تنظيم حركة فتح وبدأ يزداد انتشارا في كل مكان في العالم شرقا وغربا.

وكانت ورقة مختومة بختم الحركة بعد ذلك تسمح لحاملها بالتنقل بين دول الطوق العربية دون الحاجة لجواز سفر  يعبر عن الاسم الحقيقي لحامل الورقة. هذا يدل على الثقة الكبيرة بالحركة من عموم المنطقة العربية.

ثانيا: تحسنت العلاقة الفلسطينية الأردنية خاصة وأن الجيش الأردني الباسل بتعليمات من الملك حسين قام بواجبه خير قيام في مواجهة الطيران الحربي الإسرائيلي والدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية وأوقع بها خسائر لا تنسى وأصبحنا ننادي الملك حينها بالفدائي الأول..

ثالثا: كانت معركة الكرامة الطريق التي مهدت أن يتحقق  القائد عرفات والرئيس القائد عبد الناصر في زيارته إلى موسكو حيث قدمه للقادة السوفيات, وكانت هذه بداية المشوار الفلسطيني نحو العالمية ولاحقا نحو تسلم الراية من الثورة الفيتنامية ..

رابعا: بعد أن كان الفدائي يتسلل إلى إسرائيل - فلسطين  المحتلة العام 1948 المحتلة – لضرب المنشات العسكرية أو التي تفيد المجهود الحربي الإسرائيلي عبر الأراضي اللبنانية خلسة , بدأ بإقامة قواعد عسكرية على الأراضي اللبنانية, وقد حصلت بين الفدائيين والقوات النظامية اللبنانية بعض الاحتكاكات إلى أن تدخل الرئيس عبد الناصر مع الرئيس اللبناني شارل الحلو وجمع القيادة العسكرية لكل من لبنان الشقيق و"م.ت.ف". في القاهرة عام 1969،  ووقعوا اتفاقية القاهرة التي سمحت رسميا للمنظمة والفدائي الفلسطيني أن يزاولوا نضالهم السياسي والعسكري من الأراضي اللبنانية.. وعبر هذه الأراضي المباركة وصل النضال السياسي الفلسطيني أوْجَهُ في زيارة الرئيس عرفات الرسمية الى الأمم المتحدة وإلقائه خطابه الشهير فوق منصتها واعترفت المنظمة الدولية وقتها بم.ت.ف. عضوا مراقبا  بها..

خامسا: وكرت السبحة حيث اعترفت منظمة حركة عدم الانحياز بمنظمة التحرير عضوا كامل العضوية، وكذلك منظمة المؤتمر الإسلامي والتي بطلب من أبي عمار وبعد أحداث المسجد الأقصى آنذاك تشكلت لجنة القدس التي يرأسها على الدوام ملك المملكة المغربية .. وها هي للأسف أحداث الأقصى أشد وأنكى ولا يتحرك ملك المغرب ولا يحرك هذه اللجنة المختصة.

لا شك أن معركة الكرامة كانت المحطة الأساسية لتصليب البنيان الفلسطيني وارتقائه في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات وهي فترة ذهبية للنضال الفلسطيني تخللها أيضا المبادرة الفلسطينية في المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة عام 1973 والتي نادت بإقامة دولة فلسطينية فوق أية أرض فلسطينية يتم تحريرها أو انسحاب العدو المحتل عنها, وكان هذا أول عمل سياسي تقوم به منظمة التحرير ولكنها لم تكمله - من وجهة نظري - في السبعينيات من القرن الماضي حين رفضت التنسيق مع الرئيس السادات ولم تحضر اجتماع مينا هاوس وكان العلم الفلسطيني مرفوعا على الطاولة أمام المقعد المخصص للجانب الفلسطيني.

ان الكلام حول الكرامة ونتائجها وآثارها بطبيعة الحال لا يقلل من أهمية المعارك الأخرى وما أكثرها ضد القوات المحتلة, ولكن للكرامة مذاقا آخر حيث أنها تمتاز أيضا بعاملين هامين:

الأول, أنها معركة تمت فيها المواجهة العسكرية وجها لوجه مع الجيش الإسرائيلي وهي تحصل لأول مرة بهذا العنف منذ انطلاقة الثورة بداية عام 1965.

والثاني, أن معركة الكرامة قد أعادت للمواطن العربي وللجيوش العربية ثقتها بنفسها بعد الهزيمة في حزيران 1967.. فلقد شاهد وأطلع العرب جميعا على الفدائي الفلسطيني وعلى الجندي الأردني وهم يقاتلون ببسالة وشرف ويهزمون الجندي الإسرائيلي بآلته الحربية الحديثة.. ولا شك أن هذه المعركة كان لها مفعولها في أعادة تجهيزا لجيش المصري ثم قيامه بحرب الاستنزاف التي قادته فيما بعد الى النصر في حرب أكتوبر المجيدة, وهذه مفخرة.

وأخيرا ان العزيمة والعنفوان والكرامة الوطنية التي تنبع عن مثل هذه المعركة تؤسس وتؤكد التمسك بالثوابت الوطنية وعلى قدرة الإنسان الفلسطيني المناضل أن يتابع نضاله المسلح والسياسي حتى يتمكن من تحقيق الأهداف الوطنية لشعبه الذي يستحق بعد طول معاناة أن يعيش حرا سيدا مستقلا على أرضه ويبني دولته بعاصمتها القدس.