منذ أياماجتاحت الضفة مجموعة من اللافتات الضخمة تدعو لقيام دولة واحدة لشعبين، وكانالرئيس أبو مازن قد ردد أكثر من مرة أن هذا الحل وارد لدينا فلسطينيا، وقال انالإصرار الإسرائيلي على افشال حل الدولتين هو ما يدفعنا لهذا الخيار.

ورغم أن فكرةالدولة الواحدة فكرة قديمة متجددة، إلا ان ارتباط اللافتات الكبيرة بجملة خطيرةأدى بالشباب الثائر في حركة فتح الى تمزيق هذه اللافتات.

كانت الجملةتقول 5 ملايين فلسطيني و 6 ملايين اسرائيلي تحت عبارة دولة واحدة لشعبين ما أثارالمخاوف المحققة عند الثائرين من أن فكرة الدولة الواحدة تسقط حق العودة للاجئينلأن اللافتات كانت بذلك محددة.

وقمنابالاتصال بأحد الاخوة المعنيين بالموضوع من مجموعة (تكامل) فأشار الى أن التصرفالفردي لأحد اعضاء المجموعة أدى لفهم خاطئ لما تدعو له المجموعة اذ ان ارتباطالارقام بالفكرة فعلا قد أثار زوبعة حملنا مسؤوليتها للأخ المعني.

ان فكرة دولةواحدة لشعبين هي فكرة حركة فتح اذ انها طرحتها منذ العام 1968 وعلى لسان قادتهاوأبرزهم ياسر عرفات وصلاح خلف وكان الفهم ان الدولة الديمقراطية المدنية (رأىكثيرون انها تعني علمانية) الواحدة هي المسعى والهدف من ثورتنا.

والفكرة هذهقفزت أمامها مجموعة من التساؤلات حينها وتعود اليوم؟! وهي من مثل: هم مواطنو هذهالدولة (التي حدودها فلسطين التاريخية هنا) وما مصير اللاجئين الفلسطينيين؟ وما هوشكل النظام السائد فيها؟..الخ

وان كانت هذهالمفاهيم (المواطنون/اللاجئون/النظام..وغيرها) قد وجدت حلها نظريا لفترة طويلة عبرفكرة القضاء الكامل على دولة (إسرائيل) وتصفية الكيان العبري سياسيا وعسكرياواقتصاديا وثقافيا ما يعنى انهاء الوجود الصهيوني في فلسطين، فان تعريف المواطن فيالدولة دخل في نقاش عميق وكان من أهم نتائجه أن اليهود الذين استقروا في فلسطينقبل العام 1917 يعتبرون مواطنين (هل هذا التعريف ما زال صالحا الآن؟!).

إلا أن فكرةالدولة الفلسطينية (إلى جانب الاسرائيلية) على حدود 1967 التي اعلنت في الجزائرعام 1988 توجت المسيرة السياسية الفلسطينية والجدل حول تحرير كامل فلسطين من جهةوبحرب الشعب الطويلة الأمد والكفاح المسلح.

أدى التوصللفكرة الدولتين لشعبين الى توقيع اتفاقية اوسلو عام 1993-1994 على (نية) ان تمرفترة التجربة المحددة بسنوات خمس، وننتقل للدولة الفلسطينية ما عطلته الحكوماتالاسرائيلية المتعاقبة حتى اليوم عام 2012.

انفرط عقدالاجماع الفلسطيني مع ظهور حماس التي رفضت فكرة الدولتين طويلا الى ان تبنتهاوقبلتها بشكل واضح اثر دخولها عملية اوسلو من خلال الانتخابات عام 2006 ثم قبولهانظريا وعمليا بالدولة الفلسطينية على ارض 1967 وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين مايعني توحد الفلسطينيين على الفكرة / الهدف.

يعود الجدلاليوم حول الغايات أو الاهداف الكبرى للنضال العربي والاسلامي والفلسطيني في ظل انالثقافة والدين والفكر لا يعترف بملكية فلسطين (التاريخية) إلا للفلسطينيين والعرب والمسلمين، وأيضا منهم اليهود ما قبل 1917 حسب آخر فهم في السبعينيات بحاجةلعميق بحث وإقرار بالآخر ما قد يستثير المشاعر الجياشة لدى الكثيرين من المنتظرينوالحالمين أو المتمسكين بما استقر في عقولهم.

كما يعودالموضوع للواجهة من خلال تحركات فلسطينية خجولة تطالب بحل الدولة الواحدة في كل فلسطينيتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود في اطار دولة (علمانية أو مدنية) هي الحلالوحيد كما قال من سنوات د.عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الحالي للرئاسة المصريةعندما كان قائدا في الاخوان المسلمين، وكما قال غيره الكثير من المفكرين.

وبمبادرة منكادر شبابي فلسطيني نظر ان افق الدولتين انسد نتيجة الحواجز والسدود والحوائط التيأقامها السياسيون الاسرائيليون أمام حل الدولتين برزت فكرة (تكامل) التي دعتللدولة الواحدة في كل فلسطين.

إن هذه الفكرةأي الدولة الواحدة تشطب كل مراحل النضال الفلسطيني الطويل وما وصل إليه من اصطفافوطني وعربي ودولي، وتقوض أركان ما اسمي (الثوابت الفلسطينية: دولة فلسطينية مستقلةذات سيادة بحدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين) التي أجمعت عليهاكافة التنظيمات، أصبحت لدى شريحة مهمة في المجتمع الفلسطيني وعند عدد من المثقفينبديلا حقيقيا.

إن سقوطالمسار السياسي وانحلال المقاومة المسلحة وعدم قدرة المسارين على افتكاك حل قد جعلمن هذه الفكرة تبرز الى السطح ثانية سياسيا وثقافيا وفكريا خاصة في ظل الاختلالالفظيع في موازين القوى وفي ظل الايمان لدى الفلسطينيين ان المرحلة لا تغني عنالحل الدائم وان الاهداف لا تغني عن الأحلام او الآمال، وانه اذا لم يتحقق الجزءفطالب بالكل.

ان كنا بواردالنقاش في الفكرة أي فكرة الدولة الواحدة فيجب ان نقطع بتغير الزمان والقيموالمفاهيم والثقافات فما كنا نراه صوابا (مستطاعا) قبل عشرين أو ثلاثين عاما أصبحغير ذلك، وما كنا نراه مطلقا اكتشفنا انه نسبي ما يعني فتح الاذهان والأفكار علىفهم التغيرات والتعاطي معا.

ان فكرةالدولة الواحدة على كامل ارض فلسطين بحاجة لنقاش مستفيض، وبحاجة لعمق يأخذبالاعتبار ذات المفاهيم التي اعاقت تبني الفكرة مثل القضايا الفكرية والدينيةوالثقافية والسياسية التي اجترح على اساسها الفكر الوطني الفلسطيني مفهوم(المرحلية) ومفهوم (الاولوية) استنادا للوعي بالقدرات والقوى المتحكمة.

هل من المقبول(فكريا) ان تكون هذه الدولة في ظل تنامي فكر صهيوني عنصري؟! يهاب الآخر ويقاومهويحتله ويرفضه، ويفترض ذوبانه (أي اليهودي) في محيط عربي فلسطيني يشكل تهديداديمغرافيا؟ وهل من المقبول ان تقوم في ظل عقلية اقصاء وتدمير وسخرة للآخر المعشعشةفي الفكر الصهيوني، ولدى اليمين اليهودي؟!

وهل من الممكنتقبل العيش المشترك لكل الفلسطينيين وكل اليهود في فلسطين التاريخية؟ وهل يتقبلالعقل الصهيوني عودة اللاجئين مقابل (هجرة) اليهود؟! وهل تستطيع ان تغير في الوعيالعربي والعالمي ليتقبل ذلك؟

إنها أسئلةوغيرها الكثير الذي دعا مفكرا كبيرا مثل الشهيد القائد خالد الحسن لأن يضع حلا عبرورقته البحثية (قبضة من السلام الشائك) دعى فيه لأن تكون فلسطين للجميع ولكن فياطار (الحل السويسري) ما يستحق التأمل والبحث والتعمق من جديد.

لذلك أقولرفقا بإخوتكم/اخوتنا في مجموعة (تكامل)، كي لا نتقاتل على جلد الدب ونحن ما زلنافي الإطار النظري، حيث انه اذ تطرح مثل هذه الفكرة / الهدف الذي هو سعي حركة فتحوالفلسطينيين ان تكون كل فلسطين لنا، وبمنظور ومفاهيم ما زالت طور التفكير والتأملتعالج التساؤلات كلها، فان الرفض الاسرائيلي المسبق و الواقع والمعسكرات الاقليميةوفي العالم، وسدود المفاهيم والقوالب المصبوبة ومصالح الدول قد تحول دون كثير ممانهدف له أو نحلم به.