في إطار المؤتمر السنوي لسفراء إسرائيل المعتمدين لدى دول العالم ، الذي عقد مؤخرا ، خاطب زعيم اليمين الفاشي ، العنصري ، رئيس حزب إسرائيل بيتنا ، الوزير ليبرمان هؤلاء السفراء قائلا : ' إن السلطة الفلسطينية برئاسة عباس ليست شرعية وانه يجب العمل من اجل الذهاب لاتفاق طويل الأمد معهم وليس اتفاق سلام .... الرئيس عباس غير شريك في عملية السلام ويشكل مشكلة لها .'


وأضاف : ' إن التوصل إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين هو أمر شبه مستحيل '


إن تحليلا دقيقا لمضمون التصريحات ، أنفة الذكر ، والتي تأتي في إطار سلسلة من التصريحات العنصرية الفاشية المتلاحقة التي يدلي بها هذا الوزير وكذا قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة في حكومة نتنياهو إنما يقودنا للتأكيد على الحقائق الآتية :


أولا : إن التصريحات التي يدلي بها وزير الخارجية الإسرائيلية ، ليبرمان بين الحين والأخر والتي كان أخرها التصريحات أنفة الذكر لا يمكن أن تأتي في إطار التصريحات الفردية التي لا تعكس وجهة نظر حكومة نتنياهو كما حاول مكتب نتنياهو التعقيب على هذه التصريحات من خلال وصفها بأنها مجرد آراء وتقديرات تعكس وجهة نظر ليبرمان الشخصية .. إن التصريحات التي يطلقها ليبرمان ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها إنما تعكس بكل تأكيد وجهة نظر حكومة نتنياهو وبالتحديد تعكس آراء وتقديرات نتنياهو شخصيا ، بتعبير آخر إن ما يطلقه ليبرمان من تصريحات في العلن إنما تعكس ما يدور في خلد نتنياهو بالسر .... هناك ثمة تبادل وتوزيع للأدوار بين رئيس الحكومة نتنياهو ووزير خارجيته العنصري هذا البلطجي احد مجرمي المافية القادم من بلاد القوقاز .


ثانيا : إن تعقيب مكتب نتنياهو على أقوال ليبرمان من أن الموقف الرسمي للحكومة هو الموقف الذي يعبر عنه رئيس الوزراء نتنياهو .... إن هذا التعقيب يفتقر إلى الحقيقية ذلك أن وزير الخارجية هو المعبر الحقيقي عن السياسات الخارجية للحكومة بعد أن تصنع وتصاغ في إطار مجلس الوزراء والوزير ليبرمان عندما يطلق مثل هذا النوع من التصريحات فهي من المؤكد تحظى بثقة ودعم وإسناد طاقم الائتلاف الحكومي .


ثالثا : إن تصريحات الوزير ليبرمان ، التي تحظي بدعم الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو إنما تذكرنا مفرداتها بتلك المفردات التي سبق وان استعملت ضد الرئيس الراحل أبو عمار الذي رفض بشدة تقديم التنازلات المطلوبة آنئذ لحكومة شارون الذي لا يزال يصارع الموت حتى اللحظة ، لقد سبق لائتلاف شارون أن أطلق في حينه جملة من المفردات تجاه الرئيس أبو عمار من انه ' غير ذي صلة ' وانه ' ليس شريك ' وانه متورط في دعم الإرهاب ' واليوم المفردات التي يستعملها ائتلاف حكومة نتنياهو تجاه الرئيس عباس من انه ليس شريك وانه رئيس يفتقر إلى الشرعية وانه يشكل مشكلة لعملية السلام .. هذه المفردات التي يطلقها ليبرمان وبدعم من نتنياهو إنما نشتم منها رائحة الخطر الذي يحدق بالرئيس عباس كونه رفض بشدة وأبدى صلابة منقطعة النظير في عدم العودة لاستئناف المفاوضات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي قبل أن يتم وقف النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 .


ثمة خطر يحيط بالرئيس أبو مازن لإجباره على تقديم التنازلات المطلوبة وإلا فانه قد يتعرض لذات الخطر الذي لحق بالرئيس الراحل أبو عمار .


رابعا : إن ممارسة الخطاب السياسي المتطرف من جانب ليبرمان وقادة الإتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو إنما تعكس طبيعة الأزمة الداخلية التي يعاني منها هذا الائتلاف والذي فشل حتى اللحظة في إدارة العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني وخلق ثمة أزمة غير مسبوقة مع الصديقة الكبرى لإسرائيل ، الإدارة الأمريكية ، وكذا دفع الكثير من دول العالم ، جراء هذه السياسة المتطرفة التي تدير الظهر بالكامل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، للاعتراف بالدولة الفلسطينية فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 ويتعلق الأمر هنا بدول أمريكا الجنوبية – الغلاف الجيوسياسي للولايات المتحدة – التي سارعت للاعتراف بدولة فلسطين في حدود 67 بدءا بالبرازيل ووصولا إلى الإكوادور وقريبا المكسيك وتشيلي وهكذا ، وكذا قيام بعض الدول الأوروبية برفع درجة التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني إلى مستوى السفارة والقرارات التي اتخذتها المجموعة الأوروبية في دورتها الأخيرة عندما أمهلت إسرائيل بانجاز اتفاق سلام حقيقي مع الجانب الفلسطيني خلال عام وإلا فان المجموعة الأوروبية ستعترف بدولة فلسطين في حدود 67 ....هذا الإخفاق وذاك الفشل الذريع في السياسة الخارجية الإسرائيلية والذي يقابله ، على الجهة الأخرى ، نجاح دبلوماسي فلسطيني باهر في دفع دول العالم للاعتراف بالكيانية السياسية الفلسطينية فوق الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67.. في إطار هذا المناخ المأزوم إسرائيليا تأتي تصريحات الإرهابي ليبرمان في محاولة يائسة منه للضغط على القيادة السياسية الفلسطينية ودفعها نحو تقديم التنازلات المطلوبة .


خامسا : تصريحات الوزير ليبرمان التي يصف بها الرئيس عباس بأنه رئيس غير شرعي إنما هي محاولة لحشر الأنف في الوضع الفلسطيني الداخلي ، بمعنى العزف على نغمة تعميق الانقسام الداخلي وإسناد ودعم لتلك التصريحات التي تنطلق من هنا وهناك حول كون الرئيس عباس غير شرعي هي محاولة لتأجيج الوضع الفلسطيني الداخلي وتأزيمه أكثر مما هو عليه من تأزم ودفع القيادة السياسية الفلسطينية للانشغال في الوضع الداخلي والتراجع عن تنفيذ الإستراتجية السياسية المتبعة حاليا والتي تعتمد على توفير كل متطلبات البناء الاقتصادي ، السياسي والأمني وتوفير الاستقرار الكامل في مناطق السلطة الفلسطينية استعدادا للإعلان عن قيام الدولة في ظرف العام المقبل وهذا ما تمارسه حكومة سلام فياض بنجاح استحق تقدير كل المؤسسات الدولية ذات الصلة وكذا مواصلة الهجوم السياسي والدبلوماسي على الصعيد الخارجي بهدف حشد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين في حدود 67 والاستعداد الوشيك لطرح قضية الاستيطان على مجلس الأمن الدولي ودفعه للخروج بقرار يصف فيه الاستيطان بأنه عمل غير شرعي كخطوة أولى تتبعها خطوات أخرى على هذا الصعيد .

تبقى الإشارة في إطار هذه العجالة إلى أن مظاهر التصعيد الذي تحاول حكومة نتنياهو افتعاله على خطوط التماس مع حدود قطاع غزة في إطار هذه المرحلة إنما تعكس طبيعة الوضع المتأزم الذي تعاني منه حكومة نتنياهو والسعي لنقل توجهات الرأي العام الإسرائيلي إلى ما وراء الحدود وإشغاله بعيدا عن إخفاقات هذه الحكومة على صعيد العملية السياسية وهذا التصعيد على خطوط التماس مع قطاع غزة باعتقادنا لن يرتقي إلى مستوى إعلان الحرب الشاملة على غزة وهذا من منظور أن وضعية الانقسام السائدة الآن في الساحة الفلسطينية تريح الحكومة الإسرائيلية إلى ابعد الحدود .