اليوم تحل الذكرى الثانية للحرب الاسرائيلية الهمجية على قطاع غزة، تلك الحرب التي أدمت أبناء الشعب الفلسطيني في المحافظات الجنوبية وأدت إلى استشهاد وجرح قرابة سبعة آلاف مواطن جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ. فضلا عن عمليات التدمير المنهجي والمنظم للبنية التحتية للمدن والقرى والمخيمات. المترافقة مع عمليات إبادة للزرع والتربة من خلال استخدام الأسلحة المحرمة دوليا كالفسفور الأبيض وغيره من الأسلحة الجرثومية والبكتيرية، التي ألقت بها آلة الحرب الاسرائيلية المجنونة، وتركت بصماتها الدامية حتى يوم الدنيا هذا على الأجنة والأطفال والمواطنين عموما. بالإضافة إلى من ألقت بهم عمليات التدمير الممنهجة إلى الشوارع بعد ان دمرت ما يقارب من ستة عشر ألف منزل بين تدمير كامل وجزئي، ولم يكن نصيب المنشآت الصناعية المتواضعة أقل تدميرا وسحقا من البنية التحتية.
البطل في الحرب الدموية البربرية الاسرائيلية، كان المواطن الفلسطيني. الذي جابه آلة الحرب العنصرية الاسرائيلية بصبره، وعضه على الجراح، ورفضه لترك البيت والأرض وتمسكه بحلم الدولة والعودة وتقرير المصير. ذلك المواطن الحالم والمؤمن بخيار المصالحة والوحدة الوطنية. المنتظر ان يستخلص الجميع، وخاصة قيادة الانقلاب الحمساوي درس الحرب الاسرائيلية الوحشية، أي درس عودة اللحمة لوحدة الأرض والشعب والقضية والنظام السياسي الديمقراطي. لم يفقد الأمل حتى اللحظة، رغم كل حالة التمزق والتشرذم، الناجمة عن الانقلاب وسياسة أصحابه، لأن إيمانه بوحدة المصير والهدف والنسيج لا يتزعزع.
*****
الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني ووحدته ومصيره لم تتوقف وعلى كل الجبهات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسيكولوجية. ففي الوقت الذي يتعاظم فيه الاستيطان الاستعماري في عموم الضفة وخاصة القدس، وتدير حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة ظهرها للسلام، وخيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، في ذات الوقت تقوم فيه قطعان المستوطنين وجمعيات التطهير العرقي الصهيونية وتزوير الحقائق بتعميق سياسة التهويد ومصادرة الأراضي وطرح العطاءات الجديدة وشبه اليومية لبناء وحدات استيطانية جديدة في المستوطنات الاستعمارية المقامة على الاراضي المحتلة عام 67 ، تقوم بنفس الهمة والقوة الاستعمارية العنصرية بسحب الهويات، وتدمير البيوت، واحتلال الأملاك باسم قانون أملاك الغائبين تارة، وباسم التزوير والتلاعب بوثائق العقارات تارة أخرى، كما تقوم بطرد المناضلين من مدنهم، واعتقال الأطفال والشباب والمتضامنين الأمميين وطردهم... الخ بنفس القوة من البطش والهمجية العنصرية، تقوم أداة القهر الصهيونية بعمليات تصعيد عسكرية ضد المواطنين الأبرياء العزل في المحافظات الجنوبية غير مسبوقة منذ الحرب البربرية قبل عامين على قطاع غزة. ترافق مع ذلك سياسة التلويح بالاجتياح مجددا لمدن وقرى القطاع. رغم أن قيادة الانقلاب الحمساوية مختطفة القطاع من الشرعية الوطنية، أعلنت بلسان محمود الزهار، عضو المكتب السياسي وغيره من قادة الانقلاب عن التزامها بالتهدئة مع إسرائيل، ليس فقط لأن إيران أوحت لها بذلك، إنما لأن تلك القيادة الانقلابية، لها مصلحة في تعويم سيطرتها على الإمارة الطالبانية الجديدة. لذا أرادت تقديم اوراق حسن السير والسلوك لإسرائيل، في الوقت الذي رفعت فيه السيف في وجه السلطة الوطنية والقيادة الشرعية، وأغلظت القول بالتهديد والوعيد للأجهزة الأمنية، وأعلنت عن نيتها بتفجير الاوضاع في الضفة الفلسطينية عشية الموعد المرتقب لجلسة الحوار بين قيادتي حركتي فتح وحماس، لتتهرب من خيار المصالحة، ولتعميق سياسة التفتيت والتشرذم في صفوف الشعب، لتتكامل مع منطق ليبرمان، الذي تناغم مع أسطوانتها (حماس) المشروخة، بالإعلان عن عدم «شرعية السلطة الوطنية»، فضلا عن حملة الافتراء والتزوير ضد السلطة وقيادتها الوطنية.
مع ذلك هل إسرائيل تريد اجتياح قطاع غزة في اللحظة السياسية الراهنة؟ أم ماذا تريد؟ المراقب الموضوعي، لا يمكنه نفي أي سيناريو من سيناريوهات إسرائيل. لكن المنطق العقلي يشير إلى ان عملية اجتياح واسعة الآن ضد القطاع غير واردة، لأن استمرار الانقسام والانقلاب مازال حتى اللحظة مصلحة استراتيجية إسرائيلية. صحيح القيادة الاسرائيلية بقدر قدرتها على فهم ومعرفة كيفية التعاطي مع قيادة الانقلاب الحمساوي، بقدر عدم تمكنها من التعاطي مع مكونات مجموعات الجهاد السلفية المنبثقة من خلفيات عقائدية تتبع تنظيم القاعدة العالمي أو تدور في فلكه. لانها ليست (إسرائيل) التي أنتجتها. وحجم المعلومات المتوفرة لديها عن تلك التنظيمات واسلحتها وعددها وقوامها لا يكفي لسبر غورها. غير ان أي اجتياح في حال تقرر سيكون بالتزامن مع أي حرب قادمة ضد الجنوب اللبناني وإيران على حد سواء، دون ان يعني ذلك تصفية الانقلاب الحمساوي، إلا إذا تجاوزت « حماس « السقف المتاح لها.
إذا التصعيد الاسرائيلي حاليا يهدف إلى الآتي: رغبة إسرائيل الدائمة بإبقاء فتيل التوتير والعنف قائم، لتحافظ على سخونة الجبهات، وللتغطية على التناقضات الاجتماعية والسياسية الاسرائيلية، وإطفاء نيرانها المتقدة. وثانيا تهدف لإرسال رسالة لقيادة حماس بأنها مسؤولة عن أية خروقات قد تقوم بها، أو تنفذها إحدى الجماعات الجهادية، وهو ما وصل لقيادة الانقلاب، وأعلنت عن الرد على الرسالة بالالتزام بالتهدئة. وثالثا تريد ان تغطي على انهيار عملية التسوية السياسية، وحرف الأنظار الدولية عن موضوع التسوية، وكذلك لإبعاد الأنظار عن سياسات التهويد والمصادرة للأراضي الفلسطينية ومواصلة الاستيطان الاستعماري فيها. ورابعا لتضليل الرأي العام الدولي في حال قررت اجتياح محافظات غزة الجنوبية، لاسيما وأن حكومة اليمين المتطرف أرسلت رسائل لمجلس الأمن تدعي فيها وجود خروقات على الحدود من قبل « حماس « وغيرها من المجموعات السلفية الجهادية. خامسا: الضربات التي طالت بعض عناصر ومجموعات الجماعات الجهادية، تهدف إلى تذكير تلك الجماعات بعدم نسيان موازين القوى المختلة لصالح إسرائيل، وإنها ستكون باستمرار في مرمى نيران طائراتها وزوارقها ودباباتها، وبالتالي ردعها عن ارتكاب أية أعمال جديدة ضد إسرائيل.
هذه هي حدود التصعيد الاسرائيلي الأخير، ورسالتها (إسرائيل) وصلت لأصحاب الانقلاب، فكثفت من مراقبتها للحدود، وطاردت الجماعات الجهادية المختلفة وأولها حركة الجهاد الاسلامي، وفقا لتعاليم خالد مشعل لإسماعيل هنية يوم الحادي والعشرين من الشهر الجاري، ومضمونها «الضرب بيد من حديد لمن تسول له نفسه باختراق التهدئة!».